كثيرا ما نسمع عن عقوق الوالدين، أو “العقوق الصامت”، الذي يجرع الأسرة غصّة وألما وتعبا، ويملأ قلبي الأبوين حسرة على ضياع ما قدّموه من جهد وتعب لتربية أطفالهم.. كيف لا وهم قد باتوا يقضون لهم طلباتهم اليومية، من شراء حاجيات البيت، ومن أمور أخرى تخصّ البيت في التنظيف أو الترتيب، إلى غير ذلك من متطلّبات الحياة.
قد أستغرب من قول قائل: “يؤلمني جدّاً منظر أم تجاوزت الأربعين أو الخمسين أو الستين، وهي تعكف على خدمة ابنتها العشرينية، موفورة الصحة والعافية أو خدمة حفدتها الصغار…يؤلمني جدّاً أن أرى أباً تجاوز الأربعين أو الخمسين أو الستين، يحمل ما يحمل من آلام المفاصل والظهر، يخدم ابنه الشاب العشريني أو الثلاثيني، الذي لا يفتأ يزمجر ويطالب بحقوقه، وأبوه هو من يقوم بشراء حاجيات البيت بدلاً عنه، بينما هو منصرف إلى لهوه، أو غارق في أحلام اليقظة وهو يشاهد التلفاز، نعم هذه الأمور كلّها أصبحت ظاهرة وبات ذلك سلوكا جاريا مألوفا ومعتادا، لا يثير تعجبا، ولا يستوجب استنكارا.. إنّها الأنانية البغيضة.
بعضهم يبدأ من عمر سبع سنوات وبعضهم يبدأ من سنّ المراهقة والصواب أن يبدأ من عمر ثلاث سنوات، فهذا هو العمر المناسب لتعلّم تحمّل المسؤولية؛ لأنّه سنّ التعويد والتدريب للطفل، فلو علمناه حمل حذائه ووضعه في مكان مخصّص، فإنّه سيتحمّل مسؤولية حذائه كلّ يوم، ولو علّمناه ترتيب غرفته، فإنّه سيتحمّل مسؤوليتها كذلك، وبعض الآباء يظنون أنّ من محبّتهم لأبنائهم أنّهم يتحمّلون كلّ مسؤولياتهم، ولا يعلمون أنّهم بهذا التصرف يفسدونهم ولا يربونهم”.
عندما يتحمّل الطفل مسؤولية نفسه وإخوانه وأهله والمجتمع، فإنّه سيكون مبادرا ومعينا وكريما ومستقيما، وعندما يلغي أيّ اعتبار للناس أو للمجتمع أو للخالق، فإنّه يتصرف بطريقة أنانية وسلبية، لأنّه لا يهمه إلا نفسه فلا يتحمّل أيّ مسؤولية.
إذن، القضية هي تصحيح المفاهيم فيما يخص تربيتنا لأبنائنا، هم أمل هذه الأمة، فإذا كانوا فاقدين لهذه المعايير الحميدة، فماذا عسانا ننتظر منهم..
ولنتذكّر دائماً أنّ آيات البرّ بالوالدين جاءت عامة ثم مخصّصة للوالدين عند كبر سنّهما، لما يحدث لهما من ضعف وتغيرات نفسية وجسدية، لا يمكن أن يستوعبها الشباب غالباً، لذلك جاء التذكير.