العنف ضدّ المرأة ليس مجرد اعتداء على فرد واحد، بل هو اعتداء على الأسرة والمجتمع بأسره، وهو ظاهرة تُعتبر انتهاكًا لحقوق الإنسان لها تداعيات عميقة على الصحّة النفسية للمرأة وعلى نسيج الأسرة بأكملها، خاصّةً الأطفال الذين يتأثرون بشكل مباشر أو غير مباشر بهذا العنف.
في وقت تبذل الجزائر جهودا تكمّل الإطار القانوني القويّ لتجريم العنف الأسري وتوفر الحماية لضحاياه، تعاني العديد من النساء حول العالم من التعنيف بمختلف أشكاله، سواء كان جسديًا، نفسيًا، أو لفظيًا، تمتدّ آثاره النفسية إلى كافة أفراد الأسرة، ممّا يهدّد الاستقرار الأسري والاجتماعي على المدى الطويل.
شراكة اجتماعية قد ينسفها العنف الأسري
ترى المختصّة النفسانية، حليمة عومر، أنّ الحياة الزوجية تمثل شراكة قائمة على الاحترام والعطاء المتبادل بين الزوجين. وتشير إلى أنّ هذا التوازن غالبًا ما يختلّ بسبب المفاهيم المجتمعية الخاطئة التي تُعزّز الصورة الذكورية التسلّطية للرجل في العلاقة الزوجية، ممّا يؤدّي إلى أشكال مباشرة وغير مباشرة من العنف ضدّ المرأة.
وتوضّح عومر، أنّ مفهوم الرجولة السائد عند بعض الرجال يقوم على ممارسات غير متوافقة مع مبادئ الإسلام، الذي يُركّز على الاحتواء النفسي للمرأة واحترام كرامتها، فضلا عن العقل الذي ميّز الله به الإنسان، ليمنحه القدرة على حلّ المشكلات بالحوار بدلاً من العنف، الذي يُعتبر سلوكًا متدنياً في العلاقات الإنسانية، خاصة داخل الأسرة، مؤكدة أنّ السلوكيات العنيفة المسلّطة ضدّ المرأة، داخل الأسرة أو في بيئة اجتماعية أو مهنية، يُضعف إنتاجيتها داخل بيتها ويؤثر سلبًا على علاقتها بأطفالها، كما يحدّ من قدرتها على العطاء في المجتمع.
وأكّدت المختصّة النفسانية، أنّ النساء المعنّفات يعانين مع مرور الوقت من آثار نفسية خطيرة، مثل الاكتئاب، القلق المرضي، واضطرابات أخرى كاضطراب ثنائي القطب، الذهان، والفصام، وفي بعض الحالات، يمكن أن تصل المعاناة إلى محاولات انتحارية أو الإدمان، أما من الناحية الجسدية، فتُلاحظ زيادة في معدلات أمراض القلب، ارتفاع ضغط الدم، وأمراض نقص المناعة الذاتية الناتجة عن التوتر المزمن والحزن، مشيرة أنّ اضطراب الجهاز المناعي والهرموني بسبب هذه المعاناة قد يؤدّي إلى الإصابة بأمراض خطيرة، مثل سرطان الثدي وعنق الرحم.
تأثير العنف على الأطفال..جيل يتوارث الألم
وتستشهد المختصّة حليمة عومر، بحديث النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم الذي ورد عن السيدة عائشة رضي الله عنها: “ما ضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئًا بيده قطّ، لا امرأة ولا خادمًا...”، مؤكّدة أنّ الضرب ممنوع في الشريعة لما له من تأثير نفسي مدمّر على المرأة والأطفال، فالأطفال الذين يشهدون عنفًا موجّهًا ضدّ أمّهاتهم، حسب المتحدّثة-، غالبًا ما يُظهرون اضطرابات سلوكية، مثل فرط الحركة، التبوّل اللاإرادي، والخجل المرضي، أو يتبنّون العنف كوسيلة للتعامل مع الآخرين، ممّا يؤثر على تكوين هويتهم النفسية بشكل سليم.
تأهيل الأزواج وتعزيز ثقافة الحوار
وتؤكّد عومر حليمة، أنّ العنف ليس مجرد مشكلة فردية، بل هو سلوك مكتسب ينتقل عبر الأجيال إذا لم تتم معالجته، داعية إلى ضرورة تأهيل الأزواج نفسيًا قبل الزواج، وزرع ثقافة الحوار والتفاهم، لتجنب دفع ثمن باهض على مستوى الأسرة والمجتمع، لافتة أنّ البيئة الأسرية الآمنة هي الأساس الذي يسمح للمرأة بالإبداع والعطاء وصناعة كلّ ما هو جميل، مشيرة أنّ التصدّي لهذه الظاهرة يتطلّب تضافر الجهود من جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الهيآت الحكومية والمجتمع المدني والمؤسّسات التعليمية، ومن خلال تعزيز ثقافة الاحترام والمساواة، التي تمكّن من بناء مجتمع مستقرّ وآمن تتوفر فيه فرص الحياة الكريمة لكلّ فرد، خاصّةً المرأة والطفل.
وسلّطت المتحدّثة الضوء على جهود الجزائر في سبيل مكافحة العنف ضدّ المرأة وتحقيق استقرار الأسرة، من خلال جهود ثانوية داعمة تعزّز الأطر القانونية والسياسية، تركّز على التوعية المجتمعية، من خلال الحملات الإعلامية والتوعوية على مدار العام، خاصّة في الفترات التي تصادف الأيام العالمية لمناهضة العنف ضدّ المرأة، بالتركيز على تغيير الصور النمطية لأدوار المرأة في الأسرة والمجتمع، وتمكينها من معرفة حقوقها القانونية، زيادة على الدعم النفسي والاجتماعي للضحايا، الذي تشمله برامج الإدماج الاجتماعي والاقتصادي للنساء المتضرّرات من العنف، مثل توفير التدريب المهني ودعم المشاريع الصغيرة.