الباحث المتخصص في الدراسات الإفريقية.. العيد دحماني لـ “الشعب“:

الجزائر الجديدة.. مقاربة غذائية ملهمة للأفارقة والعالم

سفيان حشيفة

نموذج للدولة التي تتبنى استراتيجيات وطنية استباقية لتحقيق أمنها الغذائي

في الوقت الذي يسجل فيه العالم أرقاماً مقلقة، بسبب معاناة ما يفوق 700 مليون شخص من الجوع أو نقص الغذاء وفقًا لتقارير مشتركة لمنظمة الأغذية والزراعة «الفاو» وبرنامج الأغذية العالمي والصندوق الدولي للتنمية، تبرز الجزائر المنتصرة، كواحدة من أكثر الدول استقراراً من حيث تأمين الغذاء لمواطنيها، تؤكدها الأرقام والتقارير الدولية، بحسب ما يرى الباحث المتخصص في الدراسات الإفريقية بجامعة عمار ثليجي في ولاية الأغواط، البروفيسور العيد دحماني.

أكد البروفيسور العيد دحماني، في تصريح أدلى به لـ»الشعب»، أن الجزائر احتلت المرتبة الأولى إفريقياً من حيث الأمن الغذائي، استناداً إلى أحدث تقارير منظمة «الفاو»، حيث يستند هذا التفوق على مؤشرات قوية، أبرزها مؤشر انتشار نقص التغذية في البلاد الذي لايزال في مستوياته الدنيا (أقل من 2,5%)، بينما تسجل معظم دول القارة السمراء نسباً تتجاوز 19,1٪.
وأوضح دحماني أن مشاركة الجزائر في قمّة أنظمة الغذاء الأممية الأخيرة في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا، برزت كنموذج للدولة التي تتبنى استراتيجيات وطنية استباقية لتحقيق أمنها الغذائي، وهو ما تم التعبير عنه بوضوح في كلمة رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، التي ألقاها نيابة عنه وزير التجارة الخارجية وترقية الصادرات، البروفيسور كمال رزيق.
وقال محدثنا، إن كلمة رئيس الجمهورية أشارت إلى أن الجزائر كانت من الدول السبّاقة التي استجابت لنداء الأمين العام للأمم المتحدة، وأدرجت تحول النّظم الغذائية ضمن أولوياتها عبر خارطة طريق وطنية واضحة، وترتكز على نهج تشاركي شامل يضم مختلف القطاعات الحكومية، والمنظمات غير الحكومية، والباحثين والخبراء، مع إيلاء أهمية خاصة لدور النساء والشباب في هذا المسار التنموي الكبير.

تجربة رائدة في الزراعة الصحراوية

أكد البروفيسور العيد دحماني، أن تجربة الجزائر في الزراعة الصحراوية رائدة بإشادة واسعة، واهتمام قاري ودولي. وتم استعراض برامجها، التي تهدف إلى تحويل الجنوب الكبير إلى قطب زراعي استراتيجي وطني وإقليمي، ونموذج مبتكر ومستدام يعتمد على الموارد المحلية والتكنولوجيا الحديثة لمواجهة التحديات العالمية.
يترجم هذه الرؤية الاستراتيجية -بحسب دحماني- حجم المشاريع الطموحة والملموسة المجسدة على أرض الواقع، من خلال التوسع الهائل في الأراضي الزراعية المخصصة في الولايات الصحراوية، التي تجاوزت 400 ألف هكتار مخصصة حالياً، مع وضع هدف استراتيجي للوصول إلى مليون هكتار بحلول نهاية عام 2025.
وبشكل موازٍ، ولضمان استدامة هذه الجهود وتأمين المحاصيل الاستراتيجية، عملت الدولة الجزائرية على تعزيز قدراتها اللوجستية بشكل غير مسبوق، حيث تم إنجاز 30 صومعة تخزين ضخمة حديثة، بسعة 100 ألف طن لكل واحدة، مما يضيف سعة تخزين إجمالية ضخمة تقدر بـ3 ملايين طن.
وسيدعم هذا الاستثمار الهائل حتما استقرار الأسعار ويقلص بشكل كبير من نسب الهدر الغذائي، ويسمح برفع كفاءة التخزين والتوزيع والتسويق الداخلي، وفقاً للمصدر ذاته.

رسائل الجزائر في قمة أنظمة الغذاء

ويرى الخبير دحماني، أنّ أول وأهم رسالة تم إبرازها في رسالة رئيس الجمهورية بقمة أنظمة الغذاء الأممية، هي الإرادة السياسية العليا، باعتبار أن الكلمة موجهة من الرئيس تبون مباشرة، وهذا يمنح الموقف الجزائري وزناً استثنائياً أمام قادة دول القارة والعالم، ويؤكد أن ملف الأمن الغذائي هو أولوية وطنية قصوى في الجزائر المنتصرة.
كما بادرت الجزائر بشكل استباقي -أضاف المتحدث- بدمج تحول النظم الغذائية في صلب إستراتيجيتها الوطنية منذ البداية، حتى تنسجم هذه الخطة الوطنية بشكل كامل مع المسار العالمي، والاستجابة لنداء الأمم المتحدة، ومواكبة عملية التقييم الدوري التي انطلقت منذ قمة 2021، وبالتالي ضمان التنفيذ الفعال والمستمر لهذه الرؤية التي اعتمدت الدولة لأجلها هيكل حوكمة مؤسساتية واضحة ومسؤولة عن تسيير هذا التحول.

العمق الاستراتيجي والانتماء الجغرافي

ويؤكد الأستاذ دحماني، أن تركيز الجزائر على تنمية الجنوب الكبير، ليس مشروعاً داخلياً منعزلاً جغرافياً واستراتيجياً، بل يمثل الجنوب الجزائري العمق الطبيعي لمنطقة الساحل وغرب إفريقيا، وتحويل هذه المنطقة الشاسعة إلى قطب زراعي استراتيجي يعني تأمين ظهر القارة غذائياً؛ ففي المستقبل، يمكن للفائض من الإنتاج الزراعي الجزائري أن يتدفق بسهولة إلى عمق الأسواق الإفريقية المجاورة، مما سيقلل من اعتماد الأفارقة على الواردات من خارجها.
ويدعم هذا المخطط الإستراتيجي بشكل علمي اقتصادي -كما لفت دحماني- أهداف منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية التي أنشئت قبل سنوات، والجزائر عضو أساسي بها، وهو ما يؤكد جليّا أن بلد الشهداء كان يراعي أمنه الغذائي القومي، وجعله جزءًا لا يتجزأ من الأمن الغذائي الإفريقي.
ومن خلال تقديم نفسها كدولة ناجحة في مجال الأمن الغذائي، وتحتل المرتبة الأولى إفريقيًا، تتحدى الجزائر السردية النمطية التقليدية التي غالباً ما تربط إفريقيا بالجوع والمجاعة والحاجة للمساعدات الخارجية، وأكثر من هذا هي تقدم قصة نجاح ملهمة للعالم، أبرزت قدرتها على الصمود في وجه الأزمات، والابتكار واستغلال المقدرات الداخلية للبلاد على نحو أمثل.
وخلص الباحث والمتخصص في الدراسات الإفريقية، البروفيسور العيد دحماني، إلى أن خلق هذه المقاربة الجزائرية الناجحة يعزز من ثقة القارة الإفريقية بنفسها، ويشجع على تعزيز التعاون جنوب- جنوب، والرسالة الضمنية للجزائر تفيد أن الخبرات والمعارف يمكن تبادلها بين الدول الإفريقية لتحقيق تنمية مستدامة، بدلاً من الاعتماد الكلي على الحلول والنماذج المستوردة من خارج القارة.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19839

العدد 19839

الأحد 03 أوث 2025
العدد 19838

العدد 19838

الجمعة 01 أوث 2025
العدد 19837

العدد 19837

الخميس 31 جويلية 2025
العدد 19836

العدد 19836

الأربعاء 30 جويلية 2025