الخبـير الاقتصادي هواري تيغرسـي لـ «الشعب»:

“تيكـاد 9“ يُرسّخ دور الجزائر فاعــلا محوريـا فـي إفريقيا

فايزة بلعريبي

نجاح فـي صياغـة حلـول إفريقيـة لمعضـلات القــارة

يؤكد الخبير الاقتصادي هواري تيغرسي، أن نجاح التجربة الجزائرية يعود إلى كونها قدّمت نموذجًا عمليًّا يُحتذى به وقابلًا للتصدير، من خلال الإصلاحات الاقتصادية والتحرر من المديونية، ما أسفر عن مؤشرات إيجابية للاقتصاد الكلي على مدار خمس سنوات. وهو ما جعل الجزائر ثالث قوة اقتصادية إفريقية، إلى جانب كونها فاعلًا رئيسيًا في ديناميكية التجارة القارية الحرة.

أكدت الجزائر، خلال قمة «تيكاد9» بطوكيو، التزامها بدفع الاندماج القاري وتعزيز مكانة إفريقيا كقوة اقتصادية مؤثرة عبر استثمار الطاقات الواعدة وترسيخ قيم التضامن والتكامل، حيث عرض وزير اقتصاد المعرفة نورالدين واضح، ممثلاً للرئيس تبون، التجربة الجزائرية القائمة على إصلاحات هيكلية عمّقت النمو وساهمت في تنويع الإنتاج الوطني وتوسيع الصادرات خارج المحروقات.
يُعدّ مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية في إفريقيا، المعروف اختصارًا بـ»تيكاد»، إحدى القنوات التي تفتح أمام القارة السمراء نوافذ على العالم الاقتصادي، حيث تُطرح الرؤى والمقترحات حول مستقبلها. وبعد ثلاث سنوات من الانقطاع، منذ آخر اجتماع احتضنته تونس سنة 2022، انعقدت بمدينة يوكوهاما اليابانية أشغال القمة التاسعة لمؤتمر «تيكاد» بين 20 و22 أوت الجاري. وحيث يكون الحدث إفريقيًا، يبرز جليًا الدور الجزائري في صياغة حلول إفريقية للمعضلات التي تواجهها القارة.
وقد شدد وزير اقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة، نورالدين واضح، خلال مشاركته، على مسعى الجزائر الدبلوماسي والاقتصادي كفاعل قاري محوري، مؤكدًا أن إفريقيا تقف اليوم على أعتاب تحولات تاريخية، وأن الرهان لم يعد يحتمل التأجيل في قارة تتميز بموارد طبيعية هائلة وطاقات بشرية شابة.
وحان الوقت، يضيف، لتتحول إفريقيا من موقع الضحية في المشهد الاقتصادي العالمي إلى موقع الفاعل والشريك، وذلك عبر أربع ركائز قدّمها الوزير كمفاتيح للنهضة الاقتصادية الإفريقية، وهي: ثورة الابتكار والتكنولوجيا بما تحمله من وعود التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، استثمارات أجنبية تتماشى مع الأولويات المحلية بدلًا من فرضها من الخارج، إدارة رشيدة للثروات تضع حدًّا لعقود من الاستغلال واستثمار الرصيد البشري الشاب باعتباره رأسمال القارة الحقيقي.

شراكة.. لا وصاية

أوضح تيغرسي أن مقاربة الجزائر تقوم على السيادة الاقتصادية، إذ لا يكتمل الاستقلال إلا بتحرير القرار الاقتصادي. وبما أن الأمر يتعلق بقمة طوكيو للتنمية الإفريقية، فقد أشار الخبير إلى الشراكات الإستراتيجية التي تعمل الجزائر على توطيدها مع اليابان والقوى الآسيوية الصاعدة، أساسها التكنولوجيا والطاقات المتجددة والصناعات التحويلية، في رؤية تتماشى مع أولويات القارة التنموية وتستهدف نهضة شاملة تعيد رسم موقع إفريقيا في النظام الدولي.

برامج تنموية وفق الأولويات القارية

ويُعتبر مؤتمر «تيكاد9»، الذي يمثل امتدادًا لأول طبعة انعقدت بطوكيو عام 1993، منصة للتعاون ودفع التنمية الاقتصادية بالقارة، إلى جانب تعزيز الشراكة بين اليابان والدول الإفريقية في مجالات البنى التحتية، الأمن الغذائي، القضاء على الفقر، تطوير القطاع الخاص وتكثيف التكامل البيني.
وما يميز «تيكاد» عن مؤتمرات أخرى مع الصين أو روسيا أو الولايات المتحدة، هو أن برامجه التنموية تحددها دول القارة وفقًا لاحتياجاتها، وهو ما يشكل نقطة فارقة تتيح فرصًا لبناء شراكات حقيقية.
أما بالنسبة للجزائر، فيوضح تيغرسي أن هذه الفعاليات فرصة لعرض واقع الإصلاحات الهيكلية التي باشرها الرئيس عبد المجيد تبون منذ ولايته الأولى. كما أنها مناسبة لطرح الرهانات الإفريقية، وفي مقدمتها التحول الاقتصادي، الذي يقتضي الانتقال من نمط تقليدي يعتمد على القطاع العام، إلى نموذج حديث قائم على تنويع الفواعل الاقتصادية وإعطاء فرص أوسع للقطاع الخاص، انسجامًا مع ما تعتمده الكيانات الاقتصادية الكبرى عالميًا.

نموذج تنموي يستثمر في خاصية الشباب الإفريقي

القاسم المشترك بين الجزائر واليابان، كما يوضح تيغرسي، يتمثل في التوجه نحو تعزيز دور المؤسسات الناشئة في النسيج الاقتصادي، والاعتماد على الابتكار والتكنولوجيا والحلول الرقمية. وقد شهدت الجزائر قفزة نوعية في هذا المجال، حيث ارتفع عدد المؤسسات الناشئة من 200 مؤسسة سنة 2019 إلى 9 آلاف مؤسسة مع نهاية 2024، بفضل دعم قطاع التعليم العالي الذي يمد السوق بمورد بشري قادر على قيادة هذه المؤسسات.
ويضيف تيغرسي، أن «تيكاد9» يشكل فضاءً للتواصل بين الفواعل الاقتصادية والهيئات الدولية، مثل بنك التنمية الإفريقي ومنظمة الأمم المتحدة، ما يمنح الجزائر فرصة لطرح مقاربتها التنموية كقوة اقتراح إقليمية ودولية، خاصة فيما يتعلق باقتصاد المعرفة والتحول الرقمي.

رائد قاري نحو السيادة الإفريقية

وتعتبر قمة «تيكاد-9» فضاءً استراتيجيًا للتفاعل بين الاقتصاديات الإفريقية والانفتاح على الاقتصاديات العالمية، بما يسمح للحاق بركب الدول المتقدمة وفق نموذج يستند إلى الميزة الإفريقية المتمثلة في الطاقات الشابة المبدعة. وهو ما تراهن عليه اليابان، باعتباره أساس التحول الاقتصادي، من خلال امتلاك المعرفة والتحكم في التكنولوجيا.
ويرى تيغرسي، أن هذا هو السبيل الذي تحتاجه الجزائر، ومعها باقي الدول الإفريقية، للانفتاح على الاقتصاد العالمي، تجسيدًا لأجندة 2063، وتحويل الثروات من مجرد موارد أولية إلى عناصر إنتاجية، مع تجاوز المقاربات الاستغلالية والانخراط في شراكات ندّية قائمة على المنافع المتبادلة. وفي هذا السياق، أشاد بمقاربة الجزائر التي أصبحت صوتها عاليًا مدافعًا عن مقدرات القارة وحماية مصالحها الإستراتيجية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19856

العدد 19856

السبت 23 أوث 2025
العدد 19855

العدد 19855

الخميس 21 أوث 2025
العدد 19854

العدد 19854

الأربعاء 20 أوث 2025
العدد 19853

العدد 19853

الثلاثاء 19 أوث 2025