أكّدت على تبني مقاربة فعالة لمواجهـة الظاهرة

التزامٌ جزائري بتجفيـف منابــع الإرهاب

علي مجالدي

تجارة المخدرات برعاية المخزن أصبحت وقوداً للتنظيمات الإرهابيـــــة

جددت الجزائر من نيويورك، الأسبوع الماضي، التزامها الراسخ بتنفيذ إستراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة. وكانت الجزائر قد أكدت في عديد المرات، على ضرورة تبني مقاربة فعالة لمواجهة الظاهرة والدمج بين مفهومي الأمن والتنمية.

رؤية تبنتها الجزائر منذ سنوات، تستند إلى قناعة راسخة بأنه «لا تنمية بدون سلام ولا سلام من دون تنمية»، وهو ما يجعل مقاربة الجزائر تتجاوز البعد الأمني التقليدي إلى معالجة الجذور العميقة للتطرف.
في الاجتماع الذي خصصه مجلس الأمن لمناقشة «الأخطار التي تهدد السلم والأمن الدوليين من جراء الأعمال الإرهابية»، شدد الوفد الجزائري على أهمية الجمع بين الترتيبات الأمنية والمبادرات التنموية، بما يحرم الإرهاب من البيئة الحاضنة. فالفقر والتهميش الاجتماعي، كما أوضح الوفد، يشكلان بيئة خصبة للتجنيد واستقطاب الشباب، وهي الفئة الأكثر عرضة للانخراط في التنظيمات المسلحة.

المخدرات القادمة من المغرب.. المورد الخفي للإرهاب

في نفس السياق، أبرزت العديد من التقارير الدولية المتخصصة، أن المال يعد الوسيلة الأكثر تأثيراً في ديمومة التهديدات الإرهابية، حيث تمثل تجارة المخدرات أبرز روافد تمويل الجماعات. ووفق تقارير الأمم المتحدة، يحتل المغرب المرتبة الأولى عالمياً في إنتاج القنب الهندي، إذ تشير إحصائيات مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC) إلى أن نحو 36 ألف هكتار من الأراضي الزراعية في المغرب كانت مخصصة عام 2020 لزراعة القنب، بإنتاج يتجاوز 700 طن سنوياً. وهذه الأرقام تجعل من المخدرات القادمة من المغرب شرياناً مالياً حيوياً لا يغذي فقط الأسواق الأوروبية، بل يصل امتداده إلى الساحل الإفريقي.
بالإضافة إلى ذلك، تؤكد دراسات الاتحاد الأوروبي أن ما يقارب 80% من القنب الهندي الذي يدخل أسواق أوروبا مصدره المغرب، وهو ما يجعل من الساحل الإفريقي ممراً استراتيجياً لتهريبه نحو العالم. وهذا الوضع فتح الباب أمام الجماعات الإرهابية النشطة في الساحل والصحراء لاستغلال هذه التجارة، حيث تفرض «ضرائب» على عمليات التهريب أو تدخل مباشرة في شبكات النقل والتوزيع المرتبطة بالمخزن المغربي راعي هذه العمليات، ما يدر عليها أرباحاً تقدر بملايين الدولارات سنوياً. وهذه الأموال يتم استثمارها لاحقاً في شراء السلاح وتجنيد الشباب العاطل عن العمل في مناطق تعاني أزمات سياسية واقتصادية متلاحقة، ما يجعل منطقة الساحل بؤرة لتوزيع المخدرات القادمة من المغرب واستغلالها في ضرب استقرار المنطقة.

التجربة الجزائرية.. مقاربة شاملة

علاوة على ذلك، أوضحت الجزائر أن تجفيف منابع التمويل يمثل محوراً أساسياً في مقاربتها الأمنية، إلى جانب الحلول الفكرية والتنموية. فالتجربة الجزائرية التي راكمتها منذ تسعينيات القرن الماضي، مكنتها من تطوير أدوات فعالة لمواجهة الإرهاب والقضاء عليه من المهد. وقد نجحت الجزائر في تفكيك العديد من الشبكات الإجرامية التي تربط بين الجريمة المنظمة والإرهاب، مما عزز مصداقيتها كفاعل أساسي في المنظومة الإقليمية لمكافحة التهديدات الأمنية.
في نفس السياق، أكد الوفد الجزائري على أهمية التعاون مع الاتحاد الإفريقي، لاسيما من خلال المركز الإفريقي للدراسات والبحوث حول الإرهاب والأفريبول، باعتبار أن المنظمات الجهوية هي الأقدر على التعامل مع التحديات الأمنية الخاصة بكل منطقة.
كما شددت الجزائر على ضرورة تعزيز الاستجابة للتحديات التكنولوجية، عبر تنسيق الجهود الدولية للتصدي لاستخدام الإرهابيين للتقنيات المتقدمة، وهو ما يتطلب دعم الدول النامية وتمكينها من التكنولوجيا اللازمة.

إفريقيا.. الساحة الأكثر استهدافاً

بالإضافة إلى ذلك، تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن القارة الإفريقية أصبحت أكثر المناطق تعرضاً للهجمات الإرهابية في العالم، حيث سجلت عام 2023 نحو 48% من إجمالي الهجمات الإرهابية على المستوى الدولي، مع مقتل ما يزيد عن 20 ألف شخص في منطقة الساحل وحدها. هذه الأرقام تعكس حجم التحدي الذي تواجهه الدول الإفريقية، وتجعل من المقاربة الجزائرية المبنية على الدمج بين «الأمن الصلب» و»الأمن اللين» عبر التنمية والعدالة الاجتماعية، خياراً نموذجياً لمعالجة الظاهرة.

نحو رؤية أمنية وتنموية متكاملة

في ضوء ما تقدم، يتضح أن الجزائر تسعى إلى ترسيخ نظرة شمولية لمحاربة الإرهاب لا تقتصر على المواجهة الميدانية، بل تمتد إلى تجفيف منابع التمويل وتجفيف بيئات التجنيد. فالمقاربة الجزائرية تقوم على الربط بين محاربة الجريمة المنظمة العابرة للحدود -وفي مقدمتها تجارة المخدرات القادمة من المغرب- وبين دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية في إفريقيا. وهي رؤية تراهن على خلق بيئة صلبة تحرم الجماعات الإرهابية من الموارد البشرية والمالية التي تعتمد عليها، وتفتح في الوقت نفسه آفاقاً لبناء دول قوية بمؤسساتها واستراتيجياتها الوطنية.
وبهذا، تقدم الجزائر في مجلس الأمن، ليس فقط خطاباً سياسياً وإنما مقاربة عملية متجذرة في تجربة ميدانية، تجعلها فاعلاً أساسياً في المعركة العالمية ضد الإرهاب، ومصدراً لرؤية تدمج الأمن بالتنمية، وتستند إلى قناعة أن القضاء على الإرهاب يمر حتماً عبر تجفيف منابعه المالية والفكرية معاً.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19856

العدد 19856

السبت 23 أوث 2025
العدد 19855

العدد 19855

الخميس 21 أوث 2025
العدد 19854

العدد 19854

الأربعاء 20 أوث 2025
العدد 19853

العدد 19853

الثلاثاء 19 أوث 2025