عادات رمضانية راسخة بالأوراس

تـقـاسـم الـذبـيـحـة..تشجيع صيام الأطفال وزيـارة الأقارب

حمزة لموشي

تحرص كثير من العائلات الأوراسية على المحافظة على بعض العادات والتقاليد في شهر رمضان الكريم، بالرغم من التطور الكبير الذي طبع حياتها، خاصة ما تعلق ببعض العادات الغذائية والاجتماعية، خاصة بالمناطق النائية والقرى البعيدة، التي تحتفظ بالكثير من قيم التكافل الاجتماعي وبعض الاطباق في مائدة رمضان وغيرها.

ولعلّ أبرز هذه العادات والتقاليد تلك التي تميّز الاسبوع الأول من الشهر الفضيل، حيث تكون ربة البيت على أهبة الاستعداد لتمكين أفراد عائلتها من الصيام في أجواء مريحة وروحانية، على غرار تجهيز كل شيء وإعداده قبيل رمضان، ببعض الوقت وانتظار الآذان مع أفراد الأسرة في أجواء من المودة والرحمة والحميمية، بعد يوم شاق من العمل لتحضير المائدة التي يكون طبق الشربة بالفريك والكسرة بالخميرة سيداها دون منازع، رغم زحمة بعض الاطباق العصرية، إضافة الى توفير بعض المستلزمات الأخرى للسهرة الرمضانية.
فعادة اجتماع عدد من العائلات في أول أيام رمضان واقتنائها لخروف أو شاة لذبحها، من بين أبرز صور التكافل الاجتماعي، وهي عادة لا تزال راسخة والمعروفة محليا بـ “النفيقة”، حيث يتم نحر الخروف، وتقسيمه بالتساوي بين جميع المشتركين في دفع ثمنه، خلال الأسبوع الأول من رمضان في حال تعذر القيام بذلك في أول أيامه، خاصة إذا لم يتزامن مع السوق الأسبوعي للمواشي، حيث يأخذ كل شخص من كل شيء في الذبيحة، ماعدا جزء الكبد التي هي من نصيب من يذبح وهو فالعادة شخص ورع وتقي حيث يقوم بشوائها وأكلها مع الحاضرين معه في عملية الذبح والسلخ والتقسيم.
ويكون أول سحور للعائلة بعد تأكيد دخول الشهر الفضيل، خفيفا، حيث تجتمع العائلة حول مائدة بسيطة مقارنة بمائدة الإفطار كون ذلك أول سحور يستعمل فيه الحليب والمسفوف وهو طبق من الكسكسي الرقيق يستعمل فيه فاكهة الزبيب، ليكثر الصائمون بعد السحور من شرب الماء، تجنبا للعطش خاصة الذين ينتظرهم يوم شاق سواء في العمل أو الدراسة أو الفلاحة أو غير ذلك.
ويكون أول أيام رمضان دائما مميزا لدى سكان الأوراس كون العديد من التغيرات تطرأ على حياتهم اليومية مثل تغير مواعيد العمل وحركة السوق، أين يكتر الازدحام على محلات الخضروات والحلويات واللحوم والمشروبات.
أما في المنزل فتكون ربة البيت منهمكة بالتحضير للفطور حيث تعد أشهى الأطباق وألذها أين يتصدر طبق الشوربة بالفريك الأطباق الرمضانية لمدة 30 يوما وبلا منازع، وما لوحظ في السنوات الأخيرة تهافت العائلات الأوراسية على إقتناء توابل مدينة بسكرة لما توفره من نوعية وتضفي للأطعمة ذوقا خاصا، ليتجه في تلك الأثناء الآباء إلى المساجد لأداء صلاة المغرب رفقة الأطفال بعد ان تزودهم الأم ببعض التمرات والحليب لكسر الصيام قبل العودة للمنزل لتناول الفطور وسط العائلة، وهي لحظات ثمينة لا تفرط فيها أبدا عائلات الاوراس، كونها تجمع كل أفراد الأسرة وسط حميمية لا تتكرر سوى في الشهر الفضيل.
وبعد الانتهاء من وجبة الإفطار يذهب الرجال للمسجد لأداء صلاة التراويح، وهناك من يبقى في بيته لتلاوة القرآن والعمل على ختمه أكثر من مرة مع أفراد العائلة، ويتنافسون في ذلك، وهناك من يخرج للسهر مع أصدقائه، وكانت أغلب السهرات في الماضي يتم فيها احتساء الشاي وبعض الحلويات، مع تلاوة القصص التاريخية والمواعظ والإرشادات الدينية والعبادات، والقليل النادر التي يتم فيها لعب الدومينو.
كما تحتفي كل سنة العائلات الأوراسية بمناسبة هامة وهي صيام أحد أبنائها لأوّل مرّة، حيث تجد في ذلك فرصة ثمينة لجعل الصائم الصغير ملكا متوجا، تعمل الأسر على تهيئة الأطفال على صيام رمضان والتعود عليه، في الاسبوع الاول من رمضان، إذ يتم خلال أول يوم من صيامهم، شرح معنى الصيام وقدسيته لتختار له منتصف رمضان أو ليلة الـ 27 منه لصيام رمضان كاملا بعد ان يكون قد تعود على صيام نصف يوم خلال الأيام الأولى لرمضان.
ولا تختلف طرق الاحتفال بصيام الطفل لأوّل مرّة في منطقة أخرى فحسب، بل من عائلة إلى أخرى، إذ هناك بعض العائلات من تشجع صغارها على الصوم، منذ أول أيام رمضان لتهيئته نفسيا وجسديا، ولو لنصف يوم دون إرغامهم على صيام اليوم كله، كخطوة أولى لاكتشاف ماهية الصيام والتعود عليه، وهناك من العائلات من تحرص على تصويم صغيرها يوما واحدا، ثم تفطره اليوم الثاني، ليتمكن من صيام اليوم الموالي.
في المقابل، تجتمع العائلات على دعوة الأهل والأقارب لتقاسم مائدة الإفطار مع الصغير الصائم لأوّل مرة، وتحافظ هذه العائلات على تقاليد قديمة، تحرص على توريثها للأجيال، ولعلّ ما ظل راسخا ولم تنل منه التطورات هو الإقبال على بيوت الله والتي تعجّ بالمصلين الذين يؤدون صلاة التراويح عبر كل البلديات والدوائر، حيث يخرج سكان الأوراس رفقة عائلاتهم إلى المساجد أفواجا لأداء صلاة التراويح، حيث يعتبر مسجد أول نوفمبر في باتنة قبلة لهم والذي يتسع لـعشرة آلاف مصل، حيث تحول إلى قبلة للمصلين الذين يخصصون وقتا بعد التراويح إما لزيارة الأقارب أو التنزه مع الأطفال بالعديد من الحدائق العمومية التي تشكل وجهة العائلات للسهر.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19714

العدد 19714

الإثنين 03 مارس 2025
العدد 19713

العدد 19713

الأحد 02 مارس 2025
العدد 19712

العدد 19712

السبت 01 مارس 2025
العدد 19711

العدد 19711

الأربعاء 26 فيفري 2025