دعم الشعب الفلسطيني.. التزامٌ تاريخي وأخلاقي وثابت من ثوابت الجزائر الحرة
تعزيز استقلالية القرار العربي بعيداً عن الإملاءات والضغوطات الخارجية
في خضّم التوترات المتصاعدة التي تشهدها المنطقة العربية، والتحديات التي تحيط بالقضية الفلسطينية من مختلف الاتجاهات، خاصة بعد الإبادة الجماعية التي تعرضت لها غزة طيلة عام ونصف، ما أدى إلى استشهاد أكثر من 45 ألف فلسطيني معظمهم من المدنيين، تبرز القمم العربية كمنصة يفترض أن تعكس تلاحمًا عربيًا قادرًا على مواجهة الأزمات بموقف موحد. غير أن الواقع غالبًا ما يكشف خلاف ذلك، حيث تتحول هذه القمم في أحيان كثيرة إلى مشاهد تعكس مدى التباين في الرؤى والمصالح، ما يجعل من الإجماع العربي هدفًا بعيد المنال أكثر من كونه حقيقة ملموسة.
جاء قرار رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، بعدم المشاركة شخصيًّا في القمة العربية الطارئة، التي ستُعقد في القاهرة، اليوم، كموقف يعكس، برأي مراقبين، تحفظات جزائرية عميقة تتجاوز مسألة الغياب البروتوكولي لتلامس جوهر العمل العربي المشترك ومحدداته. وأوكل رئيس الجمهورية، حسب وكالة الأنباء الجزائرية، مهمة تمثيل الجزائر إلى وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الإفريقية، أحمد عطاف، وهو القرار الذي يحمل في طياته رسائل سياسية ودبلوماسية في آنٍ واحد.
من الواضح أن موقف الجزائر المنتصرة السيدة، جاء نتيجة لمجموعة من الاعتبارات السياسية، التي ارتبطت بمسار التحضير لهذه القمة، والذي شهد، بحسب مصادر مطلعة، اختلالات جوهرية أفضت إلى احتكار مجموعة محدودة من الدول العربية عملية إعداد مخرجاته وهو ما يتنافى مع مبدإ عمل الجامعة العربية. وأثار هذا النهج استياء الجزائر، التي تعتبر أن القضية الفلسطينية، بوصفها قضية عربية مركزية، لا ينبغي أن تكون محل مقاربة انتقائية، يتم فيها إشراك بعض الأطراف وإقصاء أخرى، وفق اعتبارات ظرفية أو حسابات سياسية ضيقة. علاوة على ذلك، تعكس هذه التحفّظات قلقًا جزائريًا أعمق بشأن مستقبل العمل العربي المشترك، خاصة عندما يتعلق الأمر بالقضايا المصيرية التي تستوجب توحيد الصفوف، بدلًا من تكريس الانقسامات. فالمسألة هنا لا تتعلق بمجرد تحفّظ دبلوماسي على آليات تحضير القمة، بل تعكس رفضاً لمنطق التكتلات الذي أصبح يطغى على العمل العربي، في وقت يستوجب فيه الظرف الدولي والإقليمي خطابًا موحّدًا وموقفًا متماسكًا.
بين المبادئ والثوابت
لطالما تبنّت الجزائر الحرّة، منذ استقلالها، موقفًا ثابتًا إزاء القضية الفلسطينية، ينطلق من رؤية استراتيجية ترى في دعم الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني التزامًا تاريخيًا وأخلاقيًا، قبل أن يكون مجرد موقف سياسي عابر. من هذا المنطلق، لم تتعامل الجزائر مع القضية الفلسطينية، بشهادة الفلسطينيين والأشقاء وحتى الأعداء، وفق منطق المزايدات أو الخطابات الشعبوية، بل سعت دائمًا إلى تقديم دعم فعلي ومستدام، سواء على المستوى الدبلوماسي، كما هو الحال في مجلس الأمن الدولي، أو على المستوى السياسي من خلال رفض أيّ محاولات لتجاوز الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني. كذلك، ترى الجزائر أن أيّ مقاربة لحل القضية الفلسطينية، لابد أن تمر عبر وحدة الموقف العربي، وهو ما يجعلها تتحفظ على أي محاولات لتفكيك هذا الإجماع أو تقويضه عبر سياسات إقصائية تخدم أجندات معينة.
من جانب آخر، لا يمكن تجاهل أن الجزائر، منذ استقلالها، لطالما دعت إلى مقاربة تقوم على تعزيز الاستقلالية في القرار العربي٫ بعيدًا عن الإملاءات الخارجية، وهو ما يتجلى اليوم في موقفها من القمم العربية التي لم تعد تترجم، في كثير من الأحيان، الإرادة الجماعية للأمة، بقدر ما تعكس تباينات المواقف والمصالح.
وفي سياق أوسع، يرى العديد من المتابعين أن قرار عدم حضور رئيس الجمهورية شخصيًا القمة الطارئة، رسالة سياسية قوية وجريئة تحمل عدة دلالات؛ فمن جهة، هو تعبير عن رفض الجزائر للنهج الانتقائي الذي طبع التحضيرات للقمة. ومن جهة أخرى، هو تحذير من مغبّة استمرار هذا المسار الذي قد يؤدي إلى مزيد من التشرذم العربي، في وقت تحتاج فيه القضية الفلسطينية إلى موقف موحد أكثر من أي وقت مضى.
علاوة على ذلك، يعكس القرار الجزائري مخاوف من أن تتحول القمم العربية إلى مجرد مناسبات بروتوكولية فارغة لا تسفر عن قرارات ملموسة قادرة على تغيير الواقع، وهو ما يعزّز الشعور بأن القضية الفلسطينية باتت تُدار وفق منطق المراحل، حيث تبرز على السطح في بعض الفترات، ثم تتوارى خلف الأضواء بمجرد انتهاء القمة أو تغير أولويات بعض الدول.