شهر رمضان بمنطقة جرجرة

نفحات إسـلامية بنكهة أصالة جزائريــة

نيليا. م

بدأت بشائر ونفحات شهر رمضان الفضيل تظهر للعيان بمختلف قرى منطقة القبائل، التي تخص هذا الشهر بعادات وتقاليد تضفي نكهة خاصة على أيام وليالي هذا الضيف الكريم الذي تتوق العائلات القبائلية لاستقباله والترحاب به وسط أجواء روحانية تطغى عليها نفحات الإسلام المنكهة بطعم العادات والتقاليد المتوارثة أبا عن جد.

 منطقة القبائل التي تتفرد في كل مرة بإحياء عاداتها وتقاليدها وفقا لمختلف المناسبات، بدأت تحضيراتها لاستقبال شهر رمضان والتي تظهر جليا في الأجواء الأخوية وصور التكافل الاجتماعي من خلال احياء عادة متوارثة عبر القرون في هذه المنطقة التي ارتبط اسمها ارتبطا وثيقا بعادة الوزيعة او “ثيمشراط”.

”ثـــيـــمـــشـــراط”..تـــعـــزيـــز أواصــــر الـــتّــــآخـــي والـــتـــّكــــافـــل

شهدت عديد القرى في منطقة القبائل بتيزي وزو إحياء عادة الوزيعة أو “ثيمشراط”، وهذا خلال الأسبوع الأخير من شهر شعبان الذي يبشّر بقدوم شهر رمضان وبزوغ هلاله في أعالي السماء أو يوم واحد فقط على حلوله، حيث تحولت القرى إلى فضاءات للتآخي والاخوة والتكافل الاجتماعي من خلال إحياء هذه العادة الاجتماعية ذات الأبعاد الإنسانية.
وتحوّلت عديد القرى إلى مقصد ساكنيها خاصة المغتربين والمسافرين، والذين شدّوا رحالهم إلى قراهم من أجل المشاركة في الوزيعة ونيل نصيبهم من اللحم، بعدما قام كبار القرية باقتناء العجول بناءً على صدقات المحسنين، الذين أرادوا أن يكون شهر رمضان شهر خير ويسر على العائلات المعوزة والفقيرة في مختلف القرى، وهذا من خلال ذبح العجول وتوزيع اللحم على الجميع دون استثناء، حيث تتساوى العائلات الميسورة الحال مع العائلات المعوزة، ويتحصّل الجميع على نصيبهم، في صور جمالية وأجواء من البهجة والفرح، تعيد إلى الأذهان صور التكافل والتأخي التي لا طالما أراد الأجداد ترسيخها في أذهان الأجيال الحالية، وهذا لاستمرارية التكافل وسط قراهم التي ترعرعوا وسطها وتربّوا فيها على مختلف القيم الإنسانية التي تعزز مظاهر التعايش في ما بينهم، وهذا ما أعادته عادة الوزيعة “ثيمشراط” وسط العائلات القبائلية التي تنتظر المناسبات من أجل تجسيد هذه المظاهر الإنسانية والتكافل في ما بينهم، وضمان استمراريتها بتوريثها للأجيال المقبلة.

أكلة “الصـبر” تتسيـّد أطباق مـائدة الإفطار

تقوم النّسوة في منطقة القبائل بتحضير طبق تقليدي، توارثته النساء عبر القرون والذي يتمثل في طبق “الصبر”، وهو طبق يحمل في طياته معاني الصبر والقوة والقدرة على صيام شهر رمضان، حيث أكّدت لنا “النا روزة” سيدة في العقد السابع من عمرها، والتي ما تزال تحتفظ بعادات وتقاليد الأجداد.
لا تخلو أي مائدة الإفطار في اليوم الأول من هذا الطبق، والذي تقوم بالتحضير له أيام قليلة قبل حلول شهر رمضان، مشيرة إلى أن هذا الطبق يحوي على مكونات طبيعية والمتمثلة أساسا في حبات القمح الأخضر والتي تقوم بتجفيفها وبعدها تقوم بتحميصها وطحنها ثم تصفيتها، وتحتفظ بها الى غاية حلول اليوم الأول من شهر رمضان أين تقوم بطهيها باستعمال مكونين فقط وهما البصل والبطاطا ثم تضيف لها طحينة القمح التي تسمى في منطقة القبائل “أركول”، وبعدما تنتهي من طهيه تقوم بتشكيل كريات بإضافة زيت الزيتون وتقدمها لجميع افراد العائلة من كبار وصغار، وهذا لمساعدتهم على الصبر لاستكمال صيام الشهر بكامله، خاصة الأطفال الصغار الذين يصومون أول مرة شهر رمضان.
«النا روزة” أضافت أنّ مائدة الإفطار لا تخلو من هذا الطبق التقليدي الذي يرافق مختلف الاطباق الأخرى من طبق الشربة باللحم، والذي يكون لحم “ثيمشراط” الذي لا تخلو منه البيوت في منطقة القبائل، فهو لحم يتبارك به سكان القرية لما يحتويه من صور التآخي والتكافل فيما بينهم، وهذا ما يزيد من قوة العلاقات بين ساكنة القرية ويعزّز من أخوّتهم.

الطّبخ في قدر الطين الجديد

اليوم الأول من شهر رمضان في منطقة القبائل، يعرف العديد من الصور الجمالية التي تعزّز من حلول هذا الضيف العزيز الذي تنتظره العائلات وتترقّب هلاله بشوق كبير، حيث يحظى بتحضيرات كبيرة تمس مختلف الجوانب من تنظيف المساجد، المنازل، وتحضير مستلزمات الاطباق التي ستقوم النسوة بتحضيرها على مدار شهر كاملا، أين تنوع النسوة من الاطباق ويتنافسن في تحضير أشهى وألذ الأطباق التي تلقى استحسان أفراد العائلة.
إنّ التحضير لمائدة الإفطار تعتبر الشغل الشاغل للنسوة خلال شهر رمضان، حيث يبدأن بالتحضير لها باقتناء بعض الاواني الجديدة، خاصة القدر الذي تطهو فيه طبق الشربة، والملاحظ أنه في السنوات الأخيرة عاد الحنين لكل ما هو تقليدي ومصنوع من الفخار والطين، حيث تقوم النسوة باقتناء القدر المصنوع من الطين، ولا مجال للاستغناء عنه، حيث يفضلن تحضير الشربة فيه بعيدا عن الأواني النحاسية والمصنوعة من الحديد، وهذا ما أعاد رونق ولذة الاطباق التي كانت تملك نكهة خاصة بتحضيرها في الأواني الفخارية، لتعود معه تجارة الأواني الفخارية بقوة في الأسواق، فلا تخلو مائدة رمضان من الأواني الفخارية بعدما نافستها أواني السيراميك والزجاج.
شهر رمضان في منطقة القبائل هو شهر العبادات والنفحات الإسلامية، التي تتزين بعادات وتقاليد المنطقة، وهذا ما يزيد من رونقه وأبعاده التي اختزلت كل ما هو إنساني من تآخي، أخوّة، تكافل اجتماعي، والتعاون بين السكان وفقا لتعاليم الدين الإسلامي التي تتعزّز بقوة في شهر رمضان الكريم.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19714

العدد 19714

الإثنين 03 مارس 2025
العدد 19713

العدد 19713

الأحد 02 مارس 2025
العدد 19712

العدد 19712

السبت 01 مارس 2025
العدد 19711

العدد 19711

الأربعاء 26 فيفري 2025