من وهـران إلى مائـدتـك

تجـربة غـذائـيـة أصـيـلـة تـنـقـل عـراقـة ولـذة فـريـــدة

براهمية مسعودة

يعدّ المطبخ الجزائري من أكثر المطابخ غنى وتنوعا في العالم، ولعل أبرز ما يميزه المأكولات والحلويات الشعبية الأصيلة، التي تختلف من منطقة لأخرى، وفقا للموارد المتاحة والتقاليد المتجذرة التي تأبى الاندثار.
ويتميز المطبخ الوهراني، كعينة، بعراقته ولذته الفريدة؛ فهو يجمع بين المكونات المحلية والنكهات الأصيلة لتقديم تجربة غذائية مميزة، تعكس تاريخ الولاية العريق وتأثيرات الحضارات المختلفة التي مرت بها.
تبرز مهارة الطهاة المحليين في إعداد الأطباق الشهية المزينة بالحلويات والمشروبات الزاهية الألوان، بتنسيق فني رائع، يعكس بوضوح طبيعة المجتمع الوهراني، المعروف بتعلقه بعادات وتقاليد الأجداد وانفتاحه على الآخر.
و«صراح الحبيب كحلول”، تعتبر مثالا رائعا للمرأة الوهرانية الأصيلة والمتمكنة، فهي لا تعمل فقط كصحفية في جريدة الجمهورية، بل أيضا طباخة عصامية، تعشق فن الطبخ والتفنن فيه.
منذ نعومة أضافرها، تعلقت “صراح” بالطبخ، وتعلمت أساسيات الطهي على يد والدتها التي أورثتها هذا الشغف، وأظهرت براعتها في فن الطهي التقليدي والحديث.
استضافت صراح “الشعب” في منزلها، الواقع بالقطب السكني بلقايد، التابع لبلدية بئر الجير، شرقي وهران، حيث تحدثت عن مسيرتها المميزة في هذا المجال، قبل التطرق لمجموعة الأطباق التي عادة ما تكون حاضرة، بصفة شبه يومية، على المائدة الوهرانية طوال هذا الشهر.”
أوضحت محدثتنا في مستهل حديثها، بأن “شهر رمضان المبارك، يعد واحد من أهم المناسبات التي تظهر تنوع وثراء الوصفات والأكلات في المطبخ الجزائري، وكل هذا الزخم الذي يزخر به التراث اللامادي للمجتمع الوهراني عامة، وفن الطبخ بصفة خاصة.
كما أضافت أن “هذا الشهر الكريم، يُعتبر فرصة ذهبية للمرأة الجزائرية من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب لإبراز إبداعاتها وإظهار مهاراتها في فن الطهو.”
الحريرة والمعقودة...أيقونات المطبخ الوهراني
وأشارت إلى أن “المطبخ الوهراني، يبرز بتنوعه وثرائه وخصوصية مذاقه، المشهور بالروائح الزكية ونكهاته اللذيذة، التي تعتمد على التوابل والبهارات التي لا غنى عنها في تحضير الوصفات التقليدية والشعبية بمنطقة الغرب الجزائري بوجه عام.”
«معروف أن شوربة الحريرة (الحساء) من الأطباق الرمضانية الأكثر شهرة بوهران؛ حيث تُعد وجبة رئيسية، يفتتح بها الإفطار تقريبا يوميا، وتتميز بطعمها البريد وقيمتها الغذائية العالية، لكونها تستند إلى مجموعة متنوعة من الخضروات، بما في ذلك الجزر والطماطم والبصل، بالإضافة إلى كمية كبيرة من الكزبرة الطازجة ومجموعة متنوعة من التوابل”، كما قالت.
إلى جانب “الحريرة”، نجد مقبلة أخرى، تسمى محليا بـ«المعقودة”، تعتبر من الأطباق التقليدية الشهيرة التي لا تزال تحتفظ بطابعها الأصيل، دون أي تغيير أو تعديل، وذلك بالرغم من تنوع الأطباق والوجبات التي تزين المائدة الوهرانية، وخاصة المملحات، وفق تعبيرها.
وأبرزت أن “سحر معقودة البطاطا، لا يكمن فقط في نكهتها الفريدة، ولكن أيضا في بساطة مكوناتها وأدوات الطهي المستخدمة، مما يجعلها تنافس جميع المملحات بقوة على مائدة على موائد العائلات بغض النظر عن مستواهم المعيشي.”
ذكرت صراح كذلك أن “النساء الآن يبدعن في إعدادها بطرق حديثة، حيث يضيفن الجبن والتوابل المعاصرة وغيرها من الإضافات بحسب ذوقهن، ومع ذلك، يبقى الأساس في تحضير “المعقودة” ثابتا، يعتمد على البطاطا المهروسة، البيض، الكزبرة، الثوم، وبعض أنواع البهارات والتوابل الأصيلة، مثل الكمون، الكركم، والفلفل الأسود، ويتم قليها على شكل أقراص صغيرة.”.
تحضير التوابل منزليا.. سرّ النكهة الأصيلة
كما لفتت صراح الحبيب كحلول إلى أنها “تفضل، مثل العديد من النساء في وهران، تحضير التوابل في المنزل.”، معتبرة أن “هذا يعتبر جزءا من التراث الثقافي القديم الذي تناقلته الأجيال.”
وأضافت أن “التوابل المحضرة يدويا، تتميز بجودة أعلى ونكهة أكثر تميزا، مقارنة بالتوابل الجاهزة، خصوصا لأنها تستخدم في تحضير العديد من الأطباق التقليدية الجزائرية، ولاسيما في المنطقة الغربية، مما يعزز الطعم الأصيل للمأكولات المحلية.”.
أكدت صراح أن “هذه العملية تتطلب مهارة وصبرا، حيث تبدأ عادة باختيار التوابل الطازجة بعناية، يليها تجفيفها تحت أشعة الشمس، ثم تحميصها في صينية خبز لتعزيز نكهتها، وأخيرا، تُطحن التوابل يدويا باستخدام أدوات تقليدية أو كهربائية للحصول على قوام ناعم ومتجانس.”
واعتبرت في حديثها الى “الشعب” أن “هذا التقليد، لا يتوقف عند هذا الحد، بل يعد أيضا فرصة لتوطيد الروابط الإجتماعية والأسرية وتبادل الخبرات بين النساء”، مُردفة بأنها “تتذكر كل شهر رمضان، الأجواء المميزة في الحي الشعبي فلاوسن، البريكي سابقا، أين ولدت وترعرعت؛ حيث كانت النساء يجتمعن في المنازل أو الأفنية لفتل الكسكس وتحضير التوابل، وكل ما يتعلق بالمناسبات.”
ختاما، تظل تجربة تذوق الطعام في وهران تجربة استثنائية، تجسد الأصالة الخالصة بكل مقوّماتها وقيمها، إلى جانب مواكبة العصر والتطوّر المستمر في عالم الطهو، مما يمنحها التميز والتفرد، خاصة فيما يتعلق باللذة والنكهات الساحرة التي تتميز بها الأكلات الجزائرية على العموم.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19714

العدد 19714

الإثنين 03 مارس 2025
العدد 19713

العدد 19713

الأحد 02 مارس 2025
العدد 19712

العدد 19712

السبت 01 مارس 2025
العدد 19711

العدد 19711

الأربعاء 26 فيفري 2025