عادت الانقلابات العسكرية إلى واجهة الأحداث السياسية في القارة الافريقية، مطلع الأسبوع المنصرم، بعد استيلاء تحالف ''سيليكا'' على الحكم في إفريقيا الوسطى، وخلّف ذلك ردود أفعال دولية مدينة ومتوعّدة بعقوبات ردعية، كما رسّخ في ذات الوقت واقعا يفيد بأنّ السطو على السلطة بقوة السلاح، عادة إفريقية خالصة يصعب الخلاص منها واقتلاع جذورها العميقة.
لم تعرف جمهورية إفريقيا الوسطى ــ الدولة المنعزلة التي لا تطل على مسطحات مائية وتعاني من الفقر رغم ثرواتها من الذهب والأخشاب واليورانيوم والألماس ــ أي استقرار منذ تحرّرها من الاستعمار الفرنسي سنة ١٩٦٠، وتداول على حكمها عسكريون مستبدون، عملوا على إقصاء، وتهميش وسجن وقتل معارضيهم، بداية من الامبراطور بوساكا، ولم تعرف هذه الدولة أي استقرار. ما يلبث كل حاكم ينصب نفسه الرجل القوي في الدولة، حتى يجد نفسه مجبرا على الفرار واللجوء إلى بلد آخر، أمام انقلاب جديد. يتوجه إلى مقر الاذاعة ليعلن نفسه رئيسا خلال فترة انتقالية لسنتين أو ثلاث، قبل تنظيم انتخابات توصف بالديمقراطية والنزيهة، ويصبح بموجبها ديكتاتورا شرعيا تناصبه شرائح واسعة العداء، وتتربّص للاطاحة به كلّما سنحت الفرصة. وتؤكد دهذا رؤية المتابعين للمشهد السياسي الافريقي، وتلك هي صورة مرسّخة في الأذهان. تكرّرت الطريقة المعتادة في الوصول إلى كرسي الرئاسة، الأسبوع الماضي، وغادر فرنسوا بوزيزي السلطة كما جاء إليها في مارس ٢٠٠٣، بعد أن قاد تمرّدا ضد الرئيس "آنج فيليكس باتاسيه"، وأشرف على مرحلة انتقالية إلى غاية ٢٠٠٥ عندما فاز بالانتخابات الرئاسية، وأجبر في ٢٤ مارس المنقضي على الفرار عبر نهر إلى الكونغو ومنها إلى الكاميرون، ليحلّ محله "ميشيل جوتوديا" قائد ائتلاف "سيليكا"، المشكّل من مجموعة من المتمرّدين تضم أطيافا عدة من المعارضة متناقضة سياسيا واثنيا، لكنها متّفقة على الاطاحة بفرانسوا بوزيزي. وسارع "جوتوديا"، لمحو كل مخلّفات سابقه، بتعليق العمل بدستور ٢٠٠٤، وحلّ الجمعية الوطنية (البرلمان) والحكومة، على أن يتولى الحكم بموجب مراسيم خلال الفترة الانتقالية التي قدّرها بثلاثة سنوات، واعدا بالانسحاب من السلطة سنة ٢٠١٦ موعد الرئاسيات. وبخصوص برنامج هذا التحالف، فإنّ بسط السلم والاستقرار والتنمية وحماية الشعب، هي الغاية الأساسية له، كما كانت غاية كل الانقلابيين السابقين في "بلد الأشباح" كما يلقّب من أهل اختصاص السياسة.
وحتى وإن لم يحظ انقلاب إفريقيا الوسطى بأهمية استراتيجية قصوى لدى الأطراف الدولية، فإنّه يدخل ضمن دوائر التوتر المقلقة في القارة، خاصة وأنّه يتواجد بالقرب من دول غرب إفريقيا التي تشهد تصاعدا خطيرا لظاهرة الارهاب، ويكشف التحول السريع للمواقف الفرنسية والأوروبية مع الأحداث.
ومن خفايا هذا الاتفاق، إعلان الرئيس الجديد "ميشيل جوتوديا" مراجعة الاتفاقات الاقتصادية التي أبرمتها الحكومة الماضية مع الصين وجنوب إفريقيا مع إمكانية إلغائها، وقال أنّ فرنسا والولايات المتحدة ستوكل إليهما مهمة إعادة تدريب وهيكلة القوات المسحلة، كما يسعى لعلاقات مميزة مع الاتحاد الأوروبي الذي يقدم ٨٠ ٪ من المعونات الاقتصادية. ويتّضح هنا أنّ عقوبات مجلس السلم والأمن الإفريقي بتعليق عضوية البلد وإدانة الأمم المتحدة للانقلاب، لن تعرقل مهام السلطة الجديدة التي ترتمي في حضن فرنسا. ويُزيل غنى هذا البلد بالألماس والذهب والخشب، كل توتر للعلاقات مع الدول الغربية التي تريد أن تقطع الطريق على الصين والفوز بالاستثمارات، ولا ترى في الانقلابات ما يشكّل خطرا على مصالحها، خاصة وأن إفريقيا الوسطى معتادة على هذه الأوضاع المليئة بالفوضى والنهب والعنف وقد وجد الصليب الأحمر الدولي ٧٢ جثة في شوارع العاصمة بانغي في ظرف أسبوع .
إفـــريقيـــا الــوسطى في عـــين الاعصـــــار
بلـد الألمـاس والانقـلابات العسكـرية
حمزة محصول
شوهد:1041 مرة