ظلت الولايات المتحدة الأمريكية على تعاقب إداراتها وتباين إنتمائها بين الجمهوري والديمقراطي تعتبر أمريكا اللاتينية حديقتها الخلفية والتزمت طول العقود الماضية بقانون «مونرو» الذي يحظر على أي دولة باستثنائها التدخل في شؤون هذه القارة،
وكم كانت التدخلات الأمريكية وهيمنتها كبيرة على أمريكا الجنوبية، حتى أن جلّ المؤرخين والمراقبين السياسيين يجزمون بأن جهاز مخابراتها كان وراء الانقلابات العسكرية التي كانت السّمة المميّزة فيما أطلق عليه باسم «جمهوريات الموز»، ولعلّ أشهر هذه الانقلابات هو ذاك الذي أطاح بالرئيس التشيلي المنتخب «ألليًنْدي عام ١٩٧٢ وجاء بالديكتاتور «بينوشيه».
لقد ظلت أمريكا الجنوبية كلها في قبضة (السي ـ أي ـ إيه) باستثناء كوبا التي شكّلت حالة شاذة بتمرّدها على «قانون مونرو»، حيث قام الرئيس الكوبي «فيدال كاسترو» بتأميم الشركات الأمريكية في بلاده وتسببت هذه الخطوة فيما يسمّى بأزمة «خليج الخنازير» التي نشبت إثر نشر الاتحاد السوفياتي صواريخا في كوبا وكادت الأزمة أن تشعل حربا عالمية ثالثة...
ومنذ ذلك التاريخ والتيار مقطوع بين هافانا وواشنطن التي اعتقدت بأن محاصرتها ومعاقبتها لنظام كاسترو سيدفعه للدخول إلى بيت الطاعة الأمريكي صاغرا، أو الإندثار، لكن الذي حصل بعد عقود طويلة أن حجر الأساس الذي وضعه كاسترو لبناء جدار يسارٍ يسُدُّ على أمريكا حديقتها الجنوبية، ووجد في الرئيس الفنزويلي الرّاحل «هيجو تشافيز» خير بنّاء ليكمّل بناءه وليٌلبِس أمريكا الجنوبية رداءً أحمرا ظلّ ولا يزال يثير هيجان الثور الأمريكي، خاصة بعد أن صعدت أنظمة يسارية إلى الحكم في كل من الإكوادور والأرجنتين والبرازيل والتشيلي والأورغواي وفنزويلا وبوليفيا ونيكاراغوا...
لقد رفع «تشافيز» مشعل «البديل البوليفاري»، وكوّن تكتلا قويّا من القادة اليساريين، وظل يعبئ شعوب أمريكا اللاتينية ضد السياسات الامبريالية التي تسرِق قوتها وترهن كرامتها ـ كما كان يقول ـ وشنّ حملات لاذعة ضد «بوش» وسياساته، ووصفه بأنه ذئب في جسد حمل، واتهم إدارته بالتحضير لاغتيال مسؤولين ولتنفيذ إنقلابات في أمريكا الجنوبية، وربّما من خلال هذه التهم يعتقد الفنزويليون اليوم، بأن إصابة قائدهم بالمرض الخبيث وراءه أمريكا.
تشافيز بشخصيته الكاريزمية التي كان خصومه يصفونها بالشعبوية اليسارية الزائلة، كان قويّ الشخصية وجريئا في انتقاده للولايات المتحدة الأمريكية التي قال بأن دموعها على أوضاع شعوب أمريكا اللاتينية، هي مجّرد دموع تماسيح، لأنها السبب المباشر فيما تعيشه هذه الشعوب من ضنك الحياة، فهي من ينهب ثرواتها ويضعها في جيب مواطنيه.
غاب القائد، فهل سيبقى جدار اليسار شامخا يسدّ على أمريكا حديقتها الخلفية، أم أن حجر الزاوية إهتز وستسقط الحجارة تباعا؟
وقف في وجه النفوذ الأمريكي:
اليساري الذي أعاد أمجاد «سيمون بوليفار»
فضيلة دفوس
شوهد:1208 مرة