وداعا سليمة.. اللحظة وصلني خبر وفاتك وأنا في أرض أخرى، باتجاه أرض ثالثة. قلبي موجوع أيتها الغالية. قاومتِ المرض بكبرياء، منتصرة للحياة لكن اللحظة التي كنّا نخاف منها كانت أقوى».. بهذه الكلمات ودّع الأديب واسيني الأعرج الدكتورة الباحثة سليمة عذاوري، خريجة قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الجزائر، التي التحقت بالرفيق الأعلى الاثنين الماضي بمركز مكافحة السرطان بمستشفى مصطفى باشا.. وبذات الألم حدثتنا عنها صديقتها وزميلتها الأكاديمية ميساء ملّاح، رئيسة قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة بومرداس.
واصل واسيني الأعرج مخاطبا الفقيدة، التي كان مشرفا عليها من الليسانس إلى الدكتوراه: «حتى الثانية الأخيرة لم تغادرك ابتسامة الأمل في شفاء ممكن، بل إن صبرك على الألم جعلنا نؤمن بها. عزاؤنا الوحيد أنك وثقت في الحياة متخطية درب الآلام، وعدت إلى الجامعة حتى في حالات مرضك وكنت تستعدين لمناقشة رسالة دكتوراه أشرف عليها. سيكون مكانك في أكتوبر القادم فارغا ولا ندري كيف نملؤه ولا كيف نمنع دموعنا من الاحتراق على وجوهنا. عليك الرحمة يا غالية. الصبر لعائلتك وأصدقائك الأوفياء الذين لم يدخروا جهدا للقيام بالمستحيل لإنقاذك، لكن الموت كان أسبق».
فيما اعتبرت الأستاذة ميساء ملاح في تصريح خصّتنا به، بأن الجامعة الجزائرية فقدت أحد ألمع نجبائها وخريجيها الذين حقّ للجامعة الجزائرية أن تفخر بهم وبإنجازاتهم، واصفة الفقيدة بأنها أيقونة النقد الحديث والمعاصر فكرا نقديا وبحثيا بامتياز، وقامة علمية ونقدية نادرة في الجامعة.
سليمة عذاوري من مواليد 31 ديسمبر 1981 بالجزائر العاصمة، تدرجت في دراستها الأولى بمدينة سيدي موسى، أين كانت تقطن وعاشت أحلك الفترات وقاومت قوى الظلام في العشرية السوداء والتي منعت كثيرا من الفتيات من الدراسة، ولكنها استطاعت رغم ذلك النجاح والمواصلة، لتتحصل سنة 1999 على شهادة البكالوريا شعبة آداب وفلسفة، لتسجل بالجامعة المركزية في قسم اللغة العربية وآدابها وتأخذ من الأكاديميين واسيني الأعرج، عبد القادر بوزيدة، عبد الحميد بورايو، أحمد منّور، زينب الأعوج، مصطفى فاسي، لخضر جمعي وغيرهم.
بعد حصولها على الليسانس بمذكرة حول «صورة اليهودي في الرواية العربية» سنة 2003، ناقشت مذكرة الماجستير سنة 2006 حول موضوع «العلاقات التناصية في رواية العلّامة لبنسالم حمّيش»، وهو العمل الذي صدر لاحقا على شكل كتاب عن دار رؤيا بمصر تحت عنوان: «شعرية التناص في الرواية العربية»، قبل أن تناقش رسالة الدكتوراه سنة 2015، حول «تلقي النظريات النقدية في الفكر العربي، نظرية التناص لجيرار جينيت»، دائما تحت إشراف واسيني الأعرج، وحصلت على تقدير مشرف جدا، «وهو عمل قيد الطبع ليصدر في كتاب»، تضيف ملّاح، مؤكدة لنا أن الفقيدة «كانت مساعدة للأستاذ واسيني في تكوين طلبة الماجستير، تخصص الأدب المغاربي، وساهمت في إنجاز كثير من الورشات البحثية والإبداعية مع كثير من الكتاب كالطاهر وطار، زهور ونيسي، آمال مختار، عز الدين التازي وغيرهم من الكتّاب الذين احتفت بهم هذه الورشات».التحقت سنة 2008 بجامعة بومرداس التي افتتحت فرعا للغة العربية وآدابها بكلية الحقوق ببودواو، وعُرفت بعلاقتها المتميزة بالطلبة والزملاء على حد سواء.. «ما عُرفت في جامعة بومرداس كلية الحقوق بودواو إلا هادئة متواضعة منطقية في حديثها وتصرفاتها، متسامحة مع الجميع حتى مع من أساؤوا إليها، ترفعت عن كل الخصومات والمشاحنات، واحتفظت لنفسها بهيبة واحترام كفيلين بإنسانة عظيمة لن تتكرر»، تقول ملّاح، مؤكدة على شجاعة الفقيدة في مواجهة المرض الخبيث، الذي ألمّ بها صائفة 2016، ولكنه لم يُثنها عن مواصلة دربها ولم يمنعها من التمسك بأمل الشفاء: «في فيفري 2018 ناقشت الأستاذة عذاوري التأهيل الجامعي لترتقي إلى أستاذة محاضرة صنف أ، جاءت إلى المناقشة وهي تحت تأثير المسكنّات، فرغم الألم صمدت وأجابت عن تساؤلات اللجنة وناقشت».. وتقول أيضا: «حتى في أشد لحظات مرضها وأقصاها قبلت مناقشة مذكرة ماستر لطالبة ألحت أن تكون الأستاذة عذاوري ضمن لجنة المناقشة، تحمّلت الألم وجاءت إلى بودواو وكانت آخر مناقشة لها يوم 25 جوان 2018 أي قبل رحيلها بأقل من شهر».. وختمت الأستاذة ملاح شهاداتها عن الفقيدة، مخاطبة إياها: «كنت شجاعة في حياتك وفي مرضك وفي موتك.. لروحك الطاهرة ألف سلام».