تــــتـــطـــلّــــب تـــرقـــــيــــتـــه تــنــســـيــقـــا بـــين مخـــتـــلـــف الـــفـــاعـــلـــــين

الـــــكــــتــــاب.. مـنـتَـج اســتراتـيـجـي لـه خـصـوصـيّـتـه

أسامة إفراح

 

يعتبر الكتاب مُنتَجا استراتيجيا مختلفا عن السلع والمنتجات الأخرى، ما يعني ضرورة أن يكون التعامل مع صناعته تعاملا خاصّا. فسوق الكتاب، وطباعته، وتوزيعه، وتصديره، والأنشطة المتعلّقة به، تتطلّب كلّها تنسيقا بين مختلف الفاعلين في عديد القطاعات، والوزارات، والإدارات، من أجل رعاية الكتاب والنهوض به. وقد أولت الدولة الجزائرية الكتاب بالاهتمام، وخصّته بالدعم المادي والمعنوي، وبمؤسّسات تسهر على ترقيته، بل وبيوم وطني يُحتفى به سنويا.


تتشكّل بيئة صناعة الكتاب في الجزائر من مجموعة من الفاعلين، ورغم أنّ المستهلك، أيّ القارئ، هو الحلقة النهائية في سلسلة الكتاب، فإنّه قد يكون الحلقة الأهم، بالإضافة إلى الكاتب. وفي هذه السلسلة، نجد الناشرين، الذين يمثل بعضهم القطاع العام، فيما نجد أغلبهم من القطاع الخاصّ، وتمثلهم نقابتان هما “النقابة الوطنية لناشري الكتب”، و«المنظمة الوطنية لناشري الكتب”.
وتولي الدولة الكتاب كثيرا من الأهمية، ويتجسّد ذلك بتخصيص برامج لدعم النشر وتمويله، وتنظيم المعارض، على غرار معرض الجزائر الدولي للكتاب، والمعارض الوطنية، وغيرها من التظاهرات. كما دعّمت القطاع بشبكة من المؤسّسات التابعة لها، والتي تسهم في ترقية الكتاب وصناعته، وتقريبه من القارئ، كما رسّمت يوما وطنيا للكتاب والمكتبة.
اليوم الوطني للكتاب والمكتبة
تمّ ترسيم يوم 7 جوان “يوما وطنيا للكتاب والمكتبة” بمقتضى المرسوم الرئاسي رقم 21-250 المؤرخ في 3 جوان 2021. ووفقا لنصّ المرسوم، الذي وقّعه رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبّون، “يحتفى بهذا اليوم من كلّ سنة عبر كامل التراب الوطني، من خلال تنظيم تظاهرات وأنشطة حول الكتاب وترقية دور المكتبة في المجتمع، تكريسا لمكانة المعرفة والثقافة وروافدهما في بناء أفق مشرق للأجيال”.
وفي أول احتفاء بالمناسبة، نظّمت وزارة الثقافة والفنون “الأيام الوطنية حول الكتاب”، واعتبرت أنّ هذا اليوم يعدّ مكسبا للفاعلين في هذا المنتوج الفكري وتكريسا لمكانة المعرفة والثقافة في الفضاء العمومي، وأنّ اختيار هذا اليوم هو تحدّ للفعل المشين للمنظّمة العسكرية السرّية لجيش الاستعمار الفرنسي سنة 1962، المتمثل في حرق المكتبة الجامعية وما تحويه من مؤلّفات ثقافية وعلمية فاق عددها 500 ألف كتاب ومخطوط.
وأضافت الوزارة أنّ الهدف من التركيز على الكتاب هو إعادة ترتيبه ضمن سلّم الأولويات، وأنّ تنظيم السوق يبدأ من القوانين ويمرّ عبر إدراج الكتاب في منظومة اقتصادية تحفيزية، وأنّ عالم النشر يحتاج إلى تحقيق معايير سوق متطوّرة للكتاب سواء بالبيع الكلاسيكي المباشر، أو البيع الإلكتروني.
مؤسّسات الكتاب في الجزائر
يضمّ قطاع الكتاب والنشر بالجزائر مؤسّسات عدّة في القطاعين العمومي والخاصّ..وقد سخّرت الدولة عددا من المؤسّسات والمرافق لخدمة الكتاب وترقية صناعته.
ومن الأمثلة على ذلك نذكر “المركز الوطني للكتاب”، باعتباره أحد المؤسّسات العمومية التابعة لوزارة الثقافة والفنون، وهو مكلّف بترقية ميدان النشر والكتاب والقراءة، ويقع على عاتقه إدارة السياسة الوطنية المتعلّقة بالكتاب، وإعداد الدراسات والإحصائيات الخاصّة بالكتاب والقراءة في الجزائر، وذلك بموجب المرسوم الرئاسي رقم 09-202 المؤرخ في 27 ماي 2009، المتضمّن إنشاء هذا المركز.
وجاء إنشاء هذا المركز استجابة لحاجة القطاع إلى مؤسّسة متخصّصة في كلّ ما يتعلّق بالكتاب والنشر، ويسعى المركز إلى وضع “أرضية شراكة” مع هيئات مثيلة له في بلدان أخرى للاستفادة من تجاربها، واكتساب الخبرة من أجل ترقية الكتاب والنشر بشكل عام، وتحت هذا العنوان الكبير يعمل المركز على تحقيق مجموعة من المهام، على رأسها دعم وتشجيع صناعة الكتاب في الجزائر.
ويضمّ المركز أربع لجان تسمى “اللّجان الدائمة المتخصّصة”، هي: لجنة الإبداع والترجمة، ولجنة كتاب الشباب، ولجنة النشر والتوزيع، ولجنة النشاطات المتعلّقة بالكتاب. وتعمل اللّجان على دعم جميع مراحل إنتاج الكتاب وتطوير الترجمة والمشاركة في النشاطات المرتبطة بالكتاب، وتتشكّل كلّ لجنة من سبعة أعضاء من المتخصّصين في مجال الكتاب والمطالعة، يعيّنهم الوزير المكلّف بالثقافة بناء على اقتراح مدير المركز، ويحدّد القانون مهام كلّ واحدة من هذه اللّجان.
وهكذا، يعتبر المركز “الأداة التي تطبق السياسة الوطنية للكتاب وتدعمه وتشجّع صناعته وتسهم في تطوير ميدان النشر، خصوصاً من خلال توزيع الكتاب وإيصاله إلى القارئ ودعم القراءة العمومية عبر شبكة المكتبات...”.
وعلى ذكر شبكة المكتبات، عملت الدولة على تدعيم المطالعة وتقريب الكتاب من القارئ، عن طريق مكتبات نذكر منها المكتبة الوطنية ومكتبات المطالعة العمومية.
وحسب تعريف اليونسكو للمكتبات العامة، الصادر في 1994، فإنّ المكتبة العامة تهدف بشكل أساسي إلى إتاحة فرصه الثقافة المستمرّة لأفراد المجتمع في بيئة تتمتع بالحرية ودون مقابل. ولذلك تعتبر المكتبة العامة مركزا للحياة الفكرية والثقافية في المجتمع، بتوفير ما هو ملائم من مصادر المعلومات المختلفة من أجل التنمية الثقافية للمواطنين، والإسهام في تطويرهم علميا ومهنيا، واستغلال أوقات الفراغ في الأنشطة والمجالات النافعة.
وعلى رأس قائمة المكتبات بالجزائر، نجد المكتبة الوطنية الجزائرية التي تعتبر “ذاكرة الأمة”، حيث تعدّ بمثابة البنك المركزي للمعلومات الوطنية، تجمع تراث الأمة المطبوع والمخطوط والسمعي البصري، ويقع على عاتقها مجموعة من المهام المنصوص عليها في القانون الأساسي للمكتبة الوطنية الجزائرية، كما تعتبر مركز إيداع لكلّ كتاب أو دورية أو نشرة أو أيّ وثيقة تصدر في الجزائر.
وإلى جانب تاريخها العريق، تملك المكتبة الوطنية مجموعات قيّمة في المجالات الثقافية والعلمية والفكرية والتراثية.
كما نذكر مكتبات المطالعة العمومية، التي اهتمّت بها الجزائر نظير دورها في تثقيف المجتمع. وقد بدأ التفكير في إعادة إحياء مكتبات المطالعة العمومية بالجزائر منذ 2005، مع بداية إنشاء ملحقات المكتبة الوطنية الجزائرية، وقد حوّلت هذه الملحقات إلى مكتبات رئيسية للمطالعة العمومية.
كما لا ننسى دور المكتبات الجامعية، والمكتبات المدرسية، والمكتبات التابعة لمراكز البحث، وغيرها، وتعتبر جميعا “جهات مشكِّلة للطلب العمومي” على الكتاب.
ومن أهمّ وسائل الترويج للكتاب وتسويقه، نذكر المعارض، ويعتبر معرض الجزائر الدولي للكتاب أشهرها وأكثرها استقطابا للجمهور، إلى جانب المعارض الوطنية. وقد يخفى على البعض أنّ تنظيم معارض الكتب ليس حكرا على وزارة الثقافة، حيث توضح هذه الأخيرة طريقة الحصول على “الترخيص المسبق المتعلّق بتنظيم التظاهرات حول الكتاب الموجّه للجمهور”، والتي يحدّدها المرسوم التنفيذي رقم 21-265 المؤرخ في 13 جوان 2021. ويكفي تشكيل الملف المطلوب، ليودع طلب الترخيص ورقيا أو إلكترونيا على مستوى المديريات الولائية للثقافة التي ينظّم فيها المعرض، في أجل 45 يوما على الأقلّ قبل تاريخ تنظيمه.
بالمقابل، كثيرا ما ننسى، حين الحديث عن سلسلة صناعة الكتاب، دور المكتبيين والمكتبات الخاصّة، التي تعتبر استثمارا “شجاعا” في منتج من نوع خاصّ..وقد نسمع، بين الفينة والأخرى، عن تحوّل مكتبة خاصّة إلى نشاط تجاري آخر، وهو ما يفاقم مشكلة توزيع الكتاب وتسويقه.
البيع الإلكتروني
كما سبق ذكره، سبق لوزارة الثقافة والفنون التأكيد على أنّ “عالم النشر يحتاج إلى تحقيق معايير سوق متطوّرة للكتاب، سواء بالبيع الكلاسيكي المباشر، أو البيع الإلكتروني.”
وبالحديث عن البيع الإلكتروني للكتاب، عملت الوزارة بالفعل على إصدار المرسوم التنفيذي رقم 22-271 المؤرخ في 18 جويلية 2022، الذي يحدّد كيفيات بيع الكتاب بالطريقة الإلكترونية. ويأتي هذا المرسوم تطبيقا لأحكام المادتين 32 و33 من القانون رقم 15-13 المؤرخ في 15 جويلية 2015 والمتعـلّق بأنـشطة وسوق الكتاب. وحسب وزارة الثقافة والفنون، فقد أخذ هذا المرسوم بعين الاعتبار “التطوّر الذي عرفته صناعة الكتاب وتسويقه على الصعيد الدولي”، بهدف “تعزيز عملية الانخراط في السوق الإقليمية والدولية للكتاب، مع تمكين جميع الفاعلين في صناعة هذا المنتوج الثقافي من تطويره وطنيا وتسهيل عملية اندماجهم في السوق الدولية المبنية على مبدأ النوعية.” كما أنّ التأطير القانوني سيدعم عملية توزيع الكتاب في الجزائر، وسيسمح بتحقيق أهداف منها “توسيع عملية إيصال الكتاب للقارئ وتسهيلها، من خلال استعمال وسيلة لشراء الكتب تتماشى والتطوّر التكنولوجي”، و«فتح سوق جديدة للكتاب والترويج له في الجزائر”، و«المساهمة في ترقية المطالعة العمومية عبر كامل التراب الوطني.”
وتضمّن المرسوم 20 مادة موزّعة على خمس فصول، ووفقا لنصّ المرسوم، تشمل عملية بيع الكتاب بالطريقة الإلكترونية على الخصوص الكتاب الورقي، والكتاب الرقمي، والكتاب المرقمن، وجميع الخدمات المكمّلة لعملية بيع الكتاب بالطريقة الإلكترونية، ولا سيما منها، الاشتراكات في المكتبات الدورية الإلكترونية.
ويحدّد الفصل الثاني من المرسوم “شروط وكيفيات بيع الكتاب بالطريقة الإلكترونية”، فيما يتضمّن الفصل الثالث من المرسوم “التزامات المستهلك الإلكتروني للكتاب”. ويختصّ الفصل الرابع بـ«واجبات بائع الكتاب بالطريقة الإلكترونية ومسؤولياته”، بينما يتعلّق الفصل الخامس بـ«الدفع في عمليات بيع الكتاب بالطريقة الإلكترونية”.
مع ذلك، يعتبر أهل الاختصاص أنّ التجارة الإلكترونية للكتاب، وخاصّة الورقي، تواجهها عدّة عوائق ميدانية، أهمّها طريقة توصيل الكتاب وتكلفة هذا التوصيل “المرتفعة”، حيث يترتّب عليه مصاريف إضافية لا يتحمّلها سعر الكتاب، في وقت ورد في مواد المرسوم ضرورة توحيد سعر الكتاب. ومن المعيقات أيضا، نذكر ضرورة أن تتعوّد السوق المحلية على التعاملات بالبطاقات الائتمانية البنكية، ومسألة ضمان دفع المستهلك مبلغ الكتاب، نظرا إلى أنّ المستهلك، في كثير من الأحيان، لا يستلم المنتوج أو يتهرّب. أما بالنسبة للكتاب الإلكتروني، فيؤكّد الناشرون على ضرورة حمايته من القرصنة والتداول غير الشرعي..هذه النقطة تحيلنا إلى الحديث عن حقوق المؤلّف وآليات حمايتها، وتلك مسألة أخرى..

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024