تواجه صناعة الكتاب في الجزائر تحدّيات متزايدة، ممّا أثّر على الإنتاج الثقافي وأضعف حضور الكتاب كمنتج أساسي في المشهد الثقافي، على هامش فعّاليات المهرجان الثقافي الدولي للكتاب والأدب والشعر الذي انطلقت فعّالياته، الاثنين بورقلة، قدّم لنا الأستاذ الدكتور بلقاسم مالكية، أستاذ النقد والأدب العربي في المدرسة العليا للأساتذة بورقلة، رؤية معمّقة حول التحدّيات التي تواجه صناعة الكتاب والحلول الممكنة للنهوض بها.
اعتبر المتحدّث أنّ صناعة الكتاب في الجزائر تراجعت خلال العقود السابقة، في إشارة من الدكتور مالكية إلى أنّ انسحاب الشركات الوطنية المتخصّصة في صناعة الكتاب من الساحة، ممّا أدّى إلى ظهور القطاع الخاصّ، الذي يفتقر إلى الإمكانات المادية والبشرية اللازمة لإنتاج كتب بمعايير دولية.
ثم اتّجه بالحديث عن سبب آخر وهو اتساع الرقعة الجغرافية في الجزائر، والتي جعلت توزيع الكتب على مختلف المناطق تحدّيا كبيرا، مع غياب شبكة توزيع فعّالة، ومن المفارقات التي ذكرها الدكتور أنّ بعض الكتب الجزائرية المطبوعة محليا تباع في دول مجاورة، بينما يصعب العثور عليها في المكتبات.
ويرى الدكتور بلقاسم مالكية أنّ صناعة الكتاب تركّز على إنتاج الكتب التي تحقّق أرباحا سريعة، مثل الكتب شبه المدرسية وكتب التنمية البشرية، بينما تعاني الكتب التي توثق للتاريخ الجزائري أو التراث الوطني من غياب السوق الملائمة، مشيرا إلى أنّ السياسات المتعلّقة بتطوير هذا المجال بحاجة إلى تركيز أهدافها نحو خلق سوق حقيقية للكتاب، وإعطاء الأولوية لدعم الكتب التي تعزّز الهوية الوطنية والثقافة المحلية.
وتطرّق المتحدّث في هذا المقام، إلى أحد أهم العوائق التي تواجه الناشرين والمتمثلة في ارتفاع تكاليف إنتاج الكتب، حيث تعدّ تكاليف استيراد الورق والحبر وآلات الطباعة، من بين مسببات ارتفاع تكلفة الإنتاج بشكل كبير، كما أنّ نقص التقنيين المتخصّصين في الطباعة وتصميم الكتب يزيد من هذه التكلفة، معتبرا أنّه في ظلّ الحاجة إلى الدعم الفعّال، أصبحت الكتب سلعة باهظة الثمن بالنسبة للكثيرين، ما يعيق انتشارها بين فئات المجتمع المختلفة.
وفي السياق، قدّم الدكتور مالكية مجموعة من المقترحات العملية لتطوير صناعة الكتاب وتحفيز القراءة في الجزائر، من بينها توفير دعم مباشر لدور النشر من خلال تخفيض أسعار الورق والحبر وإنشاء شركات وطنية غير ربحية تتولى توزيع الكتب على مستوى البلاد، ممّا يخفّف العبء عن الناشرين، دعم الإنتاج المحلي للكتب من خلال شراء نسخ من كلّ كتاب جديد وتوزيعها على المكتبات العامة ودور الثقافة والمدارس.
ولتطوير عمليات توزيع وتسويق الكتب، دعا إلى إنشاء نقاط بيع للكتب في الجامعات والمكتبات العامة والبلديات لتسهيل وصول الكتب إلى القارئ، واستغلال وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي للترويج للكتب، بما في ذلك استخدام المؤثرين لتشجيع القراءة بين الشباب.
كما تحدّث عن أهمية التحوّل الرقمي، الذي يمكن الاستثمار فيه لإنتاج الكتب الإلكترونية التفاعلية التي تجذب الأجيال الجديدة من القراء، حيث يمكن من خلالها تقديم محتوى ثقافي وتعليمي عبر تطبيقات رقمية تدمج بين القراءة والألعاب.
وأكّد على ضرورة إعادة بناء سوق الكتاب، وذلك عبر تنظيم فعّاليات ثقافية ومعارض كتب في جميع أنحاء البلاد لتعزيز حضور الكتاب في المجتمع، ودعم شراء الكتب بأسعار مخفّضة، كما أوضح الدكتور مالكية أنّ دعم الكتاب هو استثمار طويل الأمد في بناء الإنسان، فالقراءة لا تعزّز المعرفة الفردية فقط، بل تسهم في خلق مجتمع واعٍ ومثقّف، وأكّد أنّ الحلّ يكمن في تضافر جهود الدولة والقطاع الخاصّ وتفعيل التكنولوجيا الحديثة لتسهيل وصول الكتاب إلى كلّ فئات المجتمع، معتبرا أنّ صناعة الكتاب في الجزائر قضية متعدّدة الأبعاد وتتطلّب رؤية شاملة لإعادة بناء هذا القطاع الحيوي، من خلال توفير الدعم الرسمي، والترويج الفعّال، والاستثمار في الكتب الرقمية، وهي جميعها ـ يقول المتحدّث ـ سبل يمكن انتهاجها لتجاوز هذه التحدّيات وفتح آفاق جديدة للقراءة والإنتاج الثقافي في الجزائر.