حـل واعد لتلبيـة الاحتياجات المتزايدة من الميـاه والحفــاظ على الموارد المائيــة الطبيعيــة
تأمــين الإنتاج الزراعي..تحقيق الأمن الغذائي والحفاظ على البيئة
تواجه الجزائر، شأنها شأن العديد من الدول، تحدّيات كبيرة في مجال المياه، حيث تتزايد الحاجة إليها مع تزايد عدد السكان والأنشطة الاقتصادية، في ظل تراجع الموارد المائية المتجدّدة بسبب التغيّرات المناخية والجفاف، ما يبرز أهمية استغلال المياه المستعملة كحل واعد لتلبية الاحتياجات المتزايدة من المياه، مع الحفاظ على الموارد المائية الطبيعية.
سطرت الجزائر منذ اعتلاء الرئيس عبد المجيد تبون سدة الحكم، مخططات كبيرة لتثمين المياه المستعملة كبديل عن الموارد المائية التقليدية، التي تأثرت وتناقصت بفعل التغيرات المناخية، وبتوجيهات استشرافية من رئيس الجمهورية، تعمل الحكومة على تفعيل نشاط محطات تصفية المياه وبلوغ نسبة 40 بالمائة على الأقل من استغلالها في مجال الفلاحة والصناعة، في المدى القريب.
وقال الخبير في مجال المياه، رشيد عنان إن الجزائر، كغيرها من دول منطقة شمال افريقيا والساحل، تواجه تحدّيات كبيرة في تأمين موارد مائية مستدامة بفعل التغيرات المناخية والجفاف المتزايد، وأمام هذا الوضع، جاءت رؤية الدولة الجزائرية، ولاسيما في إطار البرنامج الرئاسي الخماسي لترسم خططًا طموحة لتثمين المياه المستعملة أو ما يسمى بمصادر المياه غير التقليدية، إضافة للجهود المبذولة ضمن محاور أخرى تتعلّق بتحلية مياه البحر وتأهيل السدود، لتخفيف الضغط على المياه الجوفية التي لم تعد تستجيب لمتطلبات الزراعة والخدمات والصناعة والتموين، مما يعد خطوة استراتيجية لتعزيز الأمن المائي والغذائي في البلاد.
وأوضح عنان، أنه على الرغم من الإمكانيات والفرص في هذا المجال، إلا أن مشاريع إعادة استخدام المياه المستعملة تواجه تحدّيات تقنية، بيئية، ومجتمعية، أبرزها الجودة المطلوبة، حيث تتطلب الزراعة والصناعة، مياه معالجة بمعايير دقيقة لضمان سلامة المنتجات الزراعية والصناعية، وهنا تبرز أهمية الالتزام بالمعايير الدولية مثل معايير منظمة الصّحة العالمية (WHO) ومعايير الاتحاد الأوروبي، زيادة على التكاليف التي يتطلبها إنشاء وتشغيل محطات معالجة المياه المستعملة، في شكل استثمارات كبيرة، خاصّة في المدن الكبرى، فضلا عن تقبل المجتمع لفكرة استخدام المياه المستعملة في الزراعة أو غيرها من المجالات الذي يُطرح تحدّيًا كبيرًا، ما يتطلب جهودًا متواصلة وواسعة لإطلاق حملات إرشادية تساهم فيها كل المؤسسات المعنية بما في ذلك المجتمع المدني والباحثين.
وتحتاج معالجة المياه المستعملة بحسب عنان، إلى استعمال التقنيات المتطوّرة مثل المعالجة بالأغشية مثل تقنية التناضح العكسي أو استخدام أنظمة الترشيح الحيوي لتحسين جودة المياه، لافتا أن اعتماد البلاد على استعمال المياه المستعملة المعالجة، يتطلب استعمال تكنولوجيات متطوّرة بهدف المواكبة والملائمة مع المعايير الدولية المعمول بها، وذلك بهدف عدم ضرب السمعة الاقتصادية لعدّة منتجات وخاصّة منها الغذائية، كما يتطلب سنّ ترسانة من القوانين لتأطير جيّد ومتكامل لهذا النشاط، مؤكدا أن أحسن استراتيجية، هي دخول هذا المجال بالتدريج وباعتماد مناطق نموذجية لها، والعمل بالموازاة مع ذلك، على انجاز دفتر شروط صارم يشمل كل سلاسل القيمة لهذا النشاط.
من جهته، ثمّن الأستاذ زناسني محمد الأمين، المختص في تدوير النفايات والصناعات الغذائية بجامعة تلمسان، المساعي التي تبذلها الدولة من أجل الاستغلال الأمثل للمياه المسترجعة في المجال الفلاحي وحتى الصناعي، في سياق الحرص على تحقيق الأمن الغذائي ورفع فرص الإنتاج الصناعي، موضحا أن الجزائر لها مقدرات كبيرة في مجال إنتاج المياه المستعملة، إضافة إلى البنية التحتية الضخمة الخاصة بتصفية ومعالجة المياه المستعملة، التي تتوفر عليها ولايات الوطن، وستتدعم مستقبلا بمنشآت إستراتيجية لتصفية المياه المستعملة على غرار محطة بشار، متأسفا للكميات الهائلة من المياه المسترجعة، التي ترمى منذ سنوات في البحر دون استغلال في المجال الفلاحي.
تنسيـــق تنظيمـي
وأشار الأستاذ زناسني، إلى أن الاستغلال الأمثل للموارد المائية غير التقليدية، يتطلب اتخاذ آليات تنظيمية وتشريعية وأخرى تقنية، حتى تتحقّق مساعي رفع استغلال المياه المستعملة لاسيما بين الفلاحين، حيث يسمح إعادة تنظيم عمل الديوان الوطني للتطهير، وديوان السقي الفلاحي، بحسب المتحدث، في رفع استغلال المياه المستعملة من طرف الفلاحين، من خلال توحيد الجهود وتنسيق إدارة وتسيير المياه المعالجة بين المؤسستين، الأمر الذي يزيل العقبات الشكلية الادارية المطروحة أمام الفلاحين، ويحقّق سهولة وسلاسة في استغلال وصرف المياه المستعملة المنتجة، بذكر جودة ونوعية المياه التي تنتجها محطات التصفية، الغنية بمادة الآزوت، ما يعني زيادة مردودية الإنتاج الفلاحي، مع العمل على تشجيع الاستثمار وتوفير الدعم التقني والمالي للصناعيين، وتطبيق قوانين بيئية صارمة، ما يجعل اعادة استغلال النفايات الصناعية السائلة، ممكنا وأقل خطورة في حال نفاذه في شبكات التطهير.
وأكد المختص المتحدث، على أهمية تصفية ومعالجة السوائل الصناعية، مشدداً على أن هذا الأمر لا يقتصر على الحفاظ على البيئة، بل يتعداه ليصبح ضرورة اقتصادية وإنتاجية، وأشار إلى أن التحدّي الأكبر يكمن في أن نسبة كبيرة من المنشآت الصناعية لا تزال تفتقر إلى محطات تصفية خاصّة بها، مما يؤدي إلى تلوث الموارد المائية وتدهور البيئة، بالإضافة إلى خسائر اقتصادية نتيجة هدر المياه وتراكم النفايات السائلة، مؤكدا أن هذه المشكلة تتطلب حلولاً عاجلة، من خلال تشجيع الاستثمار في تقنيات التصفية الحديثة وتطبيق قوانين بيئية صارمة، ما ينعكس ايجابا على إعادة استخدام المياه المعالجة، إنتاج طاقة نظيفة من النفايات العضوية.
رسكلة السوائل الصناعية من أبرز التحدّيات
وأوضح زناسني، أن الاستثمار في تقنيات معالجة المياه المستعملة لا يقتصر على تحقيق الأمن المائي، بل يفتح آفاقًا جديدة للتنمية الاقتصادية، فإعادة استخدام المياه المعالجة في الزراعة والصناعة يمكن أن يخلق فرص عمل جديدة ويعزّز النموّ الاقتصادي، علاوة على ذلك، يمكن تحويل النفايات العضوية الموجودة في المياه المستعملة إلى طاقة نظيفة، مما يساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
من جهته، أكد الأستاذ كريم حسن، المختص في الفلاحة والموارد المائية ورئيس المنظمة الوطنية للفلاحة والأمن الغذائي، أن استغلال المياه المستعملة يساهم في تأمين الإنتاج الزراعي وتحقيق الأمن الغذائي، كما يساهم إعادة استخدام المياه المستعملة في تقليل الضغط على الموارد المائية الطبيعية والحفاظ على البيئة، مستحسنا التوجيهات المتعلقة برفع إنتاج واستغلال المياه المستعملة، التي ترمي إلى تحقيق تكامل في استراتيجية وخطط الأمن الغذائي.
وأكد كريم حسن، أن الطلب على المياه في الجزائر، يشهد نمواً متسارعاً بسبب التوسّع العمراني والصناعي، مقابل ظاهرة شحّ المياه خاصّة في المناطق الجنوبية مما يهدّد الأمن المائي ويؤثر على الزراعة والصناعة، ويزيد من الضغط على الموارد المائية، الأمر الذي يتطلب التوّجه نحو استغلال المياه المستعملة أو المسماة بالمياه العادمة، وذلك بعد تنقيتها بطرق محدّدة، واعتماد تكنولوجيا حديثة، بغرض تغطية الاحتياجات الزراعية، لافتا أن من أبرز المشاكل التي تواجه رفع إنتاج المياه المستعملة وتثمينها، تتمثل في قدم شبكات التطهير وانسدادها بسبب ضعف الصيانة وعدم إنجاز المشاريع من طرف مختصي الموارد المائية.