القوى اليمينية تسعى جاهدة لنكران المجازر الوحشية

لا نجاة لباريـس من ماضيها الاستعمـاري في جزائر الشهـداء

سفيان حشيفة

ظلّت فرنسا خلال عقود ما بعد استقلال الجزائر، تحاول التنكر لتاريخها وماضيها الاستعماري المشين، بالرغم من توثيق جرائمها الفظيعة التي يندى لها الجبين، والمُرتكبة خلال حقبة الاحتلال البغيض طيلة 130 سنة، وستبقى وصمة عار تُطاردها إلى الأبد، وستفشل كل محاولات القوى اليمينية المعادية في تبييضها أو التنكر لها.

ألحّ رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، في خطابات ومناسبات تاريخية عديدة، على أن ملف الذاكرة الوطنية لا يتآكل بالتقادم أو التناسي، ولا يقبل التنازل والمساومة، وسيضعه في صميم انشغالاته حتى تتحقق معالجته بموضوعية وإنصاف للحقيقة مع الطرف المستعمِر، ألا وهو فرنسا.
وردًّا على الدعوات المتكرّرة لفتح ملف التاريخ والأرشيف، وتسويته وفق ما تمليه حقوق الأمة الجزائرية خلال حرب التحرير والمقاومة الشعبية، لم تستح باريس من غسيلها القذر وإرثها البشع المُعشِّش في ماضيها الأسود، وراحت تتمادى نخبها الكولونيالية المتطرفة، منذ مطلع سنة 2025، في مهاجمة الجزائر وشنّ حرب معنوية تضليلية عليها، قادها وزير الداخلية برونو روتايو الحاقد على كل ما هو جزائري، لاسيما الجالية الوطنية في الخارج، تبعها إعلان استفزازي يتضمّن إجراء مناورات عسكرية فرنسية- مخزنية على حدودها الغربية في شهر سبتمبر المُقبل.
وقد ذهب الإمعان الفرنسي، قبل أيام قليلة، إلى حدّ توقيف الصحفي «جون ميشيل أباثي» عن العمل في إذاعة RTL، بعد كشفه نازية بلده في الجزائر خلال الحقبة الإستعمارية، مما أثار جدلاً واسعًا ونقاشًا حادًّا في الأوساط الرسمية وغير الرسمية الباريسية حول ممارسات وجرائم الإحتلال الدموي ضد الجزائريين. في هذا الصدد، قال الباحث في علم الاجتماع السياسي، البروفيسور عبد السلام فيلالي، إن ثمّة سوء نية تحكم تصور أصحاب القرار في فرنسا تُجاه الجزائر، يشي باستمرار عقدة تقبل التعامل معها من خلال منظار المصالح المشتركة، وهي نظرة قائمة على خلفية استعمارية استعلائية غايتها الحفاظ على وضع السيطرة المتوهم لدى أوساط اليمين المتطرف، ورغبته الواهية في الحصول على امتيازات لا تدخل ضمن تعريف العلاقات الطبيعية بين الدول المصاغة على مبدإ الاحترام المتبادل.
وأكد البروفيسور عبد السلام فيلالي، في تصريح خصّ به «الشعب»، أن فرنسا تحاول التنكر لماضيها الاستعماري الذي لم ولن ينساه الجزائريون، بجرائمه المصنفة، وفق القانون الدولي، كجرائم ضد الإنسانية.
ورغم مسعى التقارب السابق، بحسب فيلالي، الذي مضى فيه البلدان حينما زار الرئيس جاك شيراك الجزائر سنة 2003، وعبّر عن رغبته في فتح فصل جديد من التاريخ المشترك المبني على الثقة والتقدير والصداقة والتضامن والاحترام المتبادل، من خلال مواجهة الماضي وإقامة تعاون متميز في مختلف المجالات، والتوجه نحو التوقيع على «معاهدة صداقة» في سنة 2005 جرى التقديم لها آنذاك بوسم «إعلان الجزائر»، سارع اليمين المتطرف عبر الرئيس نيكولا ساركوزي إلى وضع حدّ لهذا المسار، وبادر إلى استصدار قانون 23 فيفري 2005م الممجّد للاستعمار، المصادق عليه من طرف البرلمان الفرنسي.
هذا القانون أشاد بما وصفه «الدور الإيجابي» للاستعمار في الخارج خاصة في شمال إفريقيا، حيث نصّت المادة الرابعة منه على ضرورة اعتراف البرامج المدرسية بشكل خاص بالدور الإيجابي للوجود الفرنسي في الخارج، وفقا للمتحدث ذاته.
واعتبر الباحث هذا القانون يدلّ، بما لا يدع مجالا، على التردد أو الشّك عن وجود عقدة معششة في الجسد الفرنسي إلى اليوم، تدفع بتحكم إيديولوجية نيوكولونيالية في مقاربة العلاقة مع الجزائر، في دليل واضح على رفض باريس الإعتراف بهذا الماضي البغيض، وعدم اعتذارها وإقرارها بجرائمها النكراء على الأقل وما تسببت فيه من ويلات على مر 130 سنة من الاحتلال لبلد الشهداء.
وفاء للثورة المجيدة
وأبرز البروفيسور عبد السلام فيلالي، أن الجزائر التي تظل محافظة ووفية لخط ثورة التحرير الوطني المظفرة، وتضحيات أبنائها الجسام في سبيل نيل الحرية والاستقلال، تدرك جيدا هذا البعد الاستعماري في الخطاب والممارسة السياسية لطرف فاعل داخل صناعة القرار الفرنسي؛ لأنه يكشف بجلاء عن وجهه الشنيع في وسائل الإعلام منذ أسابيع قليلة.
ولفت فيلالي، إلى أن الجزائر تتعامل مع هذا المُعطى بشكل صارم قولاً وفعلاً، ومقاربتها في علاقتها بالمُستعمِرة السابقة ليس منطلقها الرغبة في تحصيل منافع أو مصالح، بقدر ما هو تأكيد على أن جرائم الاستعمار لا تتقادم ولا يتم تناولها كتاريخ يطوى بين دفتي كتاب، وإنّما هو جوهري في حياة الدولة الجزائرية حاضرًا ومستقبلاً؛ كما أنّها لن تقبل التنازل والمساومة عنه في أي مسعى يخص قضايا الذاكرة إذا لم يكن مبناه الأساسي هو الاعتراف بالجرائم الاستعمارية.
من جهته، أوضح أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، الدكتور عبد الحق بوسماحة، أن ملف الذاكرة الذي يجمع الجزائر وفرنسا، يعد من المسائل الثقيلة التي تطرق لها رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، بغية التذكير بأطواره ووقائعه خلال الفترة الإستعمارية 1830/ 1962، والعمل على تسويته بين البلدين وفق ما تمليه المصلحة الوطنية العليا.
وأفاد الدكتور عبد الحق بوسماحة، في حديثه مع «الشعب»، بأن فرنسا الرسمية تنكص مستكبرة فتح ملف الذاكرة المشترك بين الدولتين، وتتمنّع عن مناقشته في إطار صريح، رغم ما يحتويه من تعدٍّ صارخ على حقوق الإنسان في كامل المرحلة الاستعمارية، بداية من فترة الاحتلال الأولى واندلاع المقاومات الشعبية إلى غاية حرب التحرير المجيدة.
وقد ربط رئيس الجمهورية، بحسب محدثنا، مستوى العلاقات الجزائرية الفرنسية بما تبديه باريس من مبادئ ومواقف سياسية حول ملف الذاكرة المطروح، من أجل ربح واختصار الوقت ومعالجة المسألة بناءً على المعطيات التي يحتويها.
وفي المقابل، أبدت الجزائر ردًّا دبلوماسيًّا متزنًا حيال التماطل في حلحلة الملف الموروث عن الحقبة الإستعمارية، يقوم على ترك مسافة لإصلاح العلاقات بين البلدين، وفق جدوى يخدم مصالحها وتاريخها الحضاري العريق.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19719

العدد 19719

الأحد 09 مارس 2025
العدد 19718

العدد 19718

السبت 08 مارس 2025
العدد 19717

العدد 19717

الخميس 06 مارس 2025
العدد 19716

العدد 19716

الأربعاء 05 مارس 2025