خطت ولاية البليدة خطوات هامة لتشارك في مسيرة تحقيق الرقيّ والازدهار للوطن، وساعدها في ذلك موقعها الجغرافي بحكم أنّها تبعد عن الجزائر العاصمة سوى 50 كيلومترا، وكذلك غناها الطبيعي الذي جعل منها منطقة فلاحية وسياحية بامتياز.
كانت البليدة ولازالت تنتج غذاء الجزائريين بفضل سهل المتيجة الخصب رغم استغلال مساحات كبيرة في ميدان العمران والسكن، فهي تموّن السوق الوطنية بما يقارب 40 بالمائة من الحمضيات، كما تساهم في إنتاج الحبوب والخضروات وبعض الفواكه المهمة مثل الإجاص.
ولا شكّ أنّ اعتماد التقنيات التكنولوجية الحديثة سيطوّر النشاط الفلاحي بهذه الولاية التي شهدت مؤخرا إطلاق مشروع إنجاز صومعة ومراكز جوارية لتخزين الحبوب في إطار إستراتيجية تأمين تخزين هذه المادة الإستراتيجية، أما شعبة الحمضيات فعرفت فائضا بعد تجديد الأشجار ممّا سيُشجّع الصناعيين على استغلالها في صناعة مركّز البرتقال والعصائر.
ويبدو النظام البيئي مشجّعا على الاستثمار الفلاحي بالبليدة بالنظر إلى توفّر مياه السقي، وتحسين الإطار التشريعي بصدور قانون يحمي الأراضي الفلاحية ثم قانون آخر يحمي أراضي الدولة، ومن شأن مشاريع إنجاز محطات تصفية المياه المستعملة بتقنية المعالجة الثلاثية التي ستعرفها الولاية على المدى القريب، أن تٌكلّل بمورد إضافي للفلاحين ضمن سياسة اقتصاد الماء، وهذا في الوقت الذي يٌنجز سكان المناطق الجبلية استثمارات مهمة في تربية المواشي وزراعة الأشجار المثمرة بعد استتباب الأمن.
رغم تميّزها بسهل” المتيجة” الذي جعل منها منطقة سياحية بامتياز، فإنّ البليدة شهدت قفزة نوعية في مجال الصناعة، حيث لم تنتظر طويلا بعد الاستقلال لتشهد إنشاء أول منطقة صناعية في حي بن بوالعيد في عاصمة الولاية بمساحة إجمالية قدرها 91.08 هكتار، وتضمّ 96 وحدة تجزئة، وحاليا ينشط بها أكثر من 72 مؤسّسة، ثم شهدت منطقة صناعية ثانية بنفس الحي مساحتها الإجمالية قدرها 52 هكتار، وتمّت تجزئتها إلى 100 وحدة، وينشط بها حاليا أكثر من 78 مؤسّسة.
وفي سنة 1976 شهدت بلدية أولاد يعيش إنشاء منطقة صناعية أخرى على مساحة 34 هكتار، وتجزئتها إلى 64 قطعة، وينشط بها حاليا 58 مؤسّسة، كما تعزّز القطاع بست مناطق للنشاطات، في بلدية عين الرمانة عام 1988، ثم منطقة “ أطلس” بمدينة البليدة في سنة 1994، وفي نفس السنة تم استحداث منطقتين في بني مراد، وذلك بالإضافة إلى منطقة بلدية بوعينان، ومنطقة “ كاف الحمام” التي استحدثت سنة 2004 في أولاد يعيش.
يُضاف إلى هذا النسيج المهم تجمّعات صناعية تكوّنت عفويا بشراء عقارات وإنجاز مصانع في بلديات قرواو، بني تامو، واد العلايق، بوعينان، كما سمح قانون الاستثمار المعدّل من إزالة العراقيل أمام أزيد من 150 وحدة إنتاجية حصلت على رخص استغلال وبدأت نشاطها، ليرتفع عدد المؤسّسات وفروعها التي تنشط في المنطقة لأكثر من ألف، مع الإشارة إلى أنّ الولاية ستستلم قريبا أربع مناطق مصغّرة للنشاطات لتوفير العقار الصناعي للمستثمرين لاسيما الشركات الناشئة التي سيزداد عددها بعد التحسينات التي عرفها مناخ الإستثمار.
ومع الإصلاحات السياسية وتوفير الأطر القانونية اللازمة من شأن هذه المؤسّسات أن ترفع سقف طموحاتها لتحقّق الاكتفاء الذاتي وتولج عالم التصدير، ممّا يسمح بتحقيق الأهداف الوطنية برفع نسبة الصادرات خارج قطاع المحروقات، كما يمكنها أن تحقّق للبلاد أمنها الغذائي وتُخلّصها من التبعية لدول أخرى في عدّة مجالات.
وتترقب ولاية البليدة أن تشهد الجماعات الإقليمية تشريعات مكملة مع نهاية السنة الحالية، من أجل تشجيع البلديات على استغلال قدراتها من خلال القيام باستثمارات تزيد من مواردها المالية، ممّا يسمح بتجسيد بعض المشاريع التنموية دون انتظار ميزانية الدولة، ولعلّ السياحة من بين أفضل المجالات التي يتعيّن على بلديات البليدة الإستثمار فيها، فكلّها تضمّ مواقع سياحية في غاية الأهمية، لا سيما البلديات التي تقع في منطقة الحظيرة الوطنية للشريعة.
ويتم تعزيز البنية التحتية بشبكات الطرقات وتشييد مؤسّسات التربية والتعليم والبحث العلمي ومختلف المرافق العمومية، والاستثمارات الكبرى في مجال السكن والصحّة والرياضة لتحسين ظروف العيش الكريم للساكنة، فإنّ البليدة تسير بخطى ثابتة لتجسيد مشروع الحكومة الإلكترونية باعتماد الرقمنة في شتى مجالات الحياة وتحسين الإطار المعيشي للمواطن.
ومن بين أهم المشاريع التي ستعرفها البليدة، في غضون السنة القادمة، إنجاز مركبين كبيرين في إطار تنفيذ سياسة الأحياء المدمجة لتسيير النفايات بشكل جديد من خلال الفرز الإنتقائي والتثمين، وهذا باعتبارها من بين الولايات الكبرى، ومن شأن ذلك أن يوفر مناصب عمل للشباب والراغبين في الإسترزاق من هذه الثروة، كما فعلت المؤسّسات الإقتصادية التي استفادت مؤخرا من رفع القيود أمامها.
ويمكن القول بأنّ البليدة ستكون عاصمة الرقمنة بعد اختيارها لإنجاز مركز البيانات الوطني، وذلك بقطعة أرضية في بلدية بوعرفة تم إلغاء تصنيفها على أنّها أرض فلاحية في آخر عدد للجريدة الرسمية، وستكون هذه المنشأة جامعة لكلّ البيانات والدعامات الوطنية، والتي تُحيّن بشكل مستمر لتسيير الشأن العام ويسهر على حمايتها جهاز الأمن السيبراني.