تتصدى الجزائر اليوم أكثر من أي وقت مضى، للحرب الإعلامية التي تتعرض لها بسبب مواقفها الثابتة وسياستها الخارجية الصارمة، وشقها طريق تنمية حررها من التبعية ومن أن تبقى مجرد سوق استهلاكي، هذه الحرب تعرف بحرب الجيل الخامس.
في كلمته، أمام أعيان وممثلي المجتمع المدني، بولاية بشار، قال رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، «الجزائر اليوم محسودة». وأضاف: «الجزائريون وجب عليهم الدفاع عن وطنهم الذي يشرفهم بالدور الجبار الذي يقوم به في المحافل والمنابر الدولية».
وتجمع أغلب القراءات على أن تعرض الجزائر لحملات متواصلة من هجمات التضليل والتشويه الإعلامي، منذ 2020، ترجع بالأساس إلى استماتتها في مواقف دعم القضايا العادلة، وتبنيها لمشروع وطني يعزز موقعها كفاعل إقليمي، تستند على قدراتها الهائلة في بناء نموذج اقتصادي يقربها من الدول الناشئة.
والجزائر -مثلما صرح رئيس الجمهورية- «محسودة»؛ لأن حملات التشويه والتضليل، في مواقع التواصل، تنفجر بالتزامن مع كل حدث اقتصادي أو سياسي هام، فلا يحتمل من يقف وراءها رؤية تدشين أو شطر من خط السكة الحديدية بشار- غار جبيلات لاستغلال واحد من أضخم احتياطي للحديد في العالم.
ولن يحتمل هؤلاء رؤية أساطيل الشاحنات العملاقة تتوجه جنوبا بعد أيام لمباشرة حملة الحصاد والدرس، خاصة وأنها تتزامن هذه السنة مع هدف تحقيق الاكتفاء الذاتي من مادة القمح الصلب، وتوفير ما يناهز (2) ملياري دولار للخزينة العمومية.
وكلما قطعت الجزائر خطوة نحو تعزيز سيادتها الاقتصادية، انهالت عليها حرب المعلومات التي يجند فيها خصومها كل العدة والعتاد غير العسكري على غرار الهندسة الاجتماعية، والتضليل، والأخبار الزائفة، والتزييف العميق، والهجمات الإلكترونية، والتقنيات المستجدة، مثل الذكاء الاصطناعي والأنظمة المستقلة. تأتي هذه الخطوة، بعد انتصارها على ظاهرة الإرهاب منفردة، والتي تعتبر إحدى أدوات حروب الجيل الرابع.
مصدر هذه الهجمات صار مكشوفا ومعروفا، ففي فرنسا يقود العملية وزير داخلية هو في أصله مراهق سياسي مغمور، يريد استثمار إسم الجزائر لتحقيق مكاسب شخصية. وقد سبق وأن اعترف بأن من أسباب الأزمة، الإقصاء المزعوم لشركات بلاده من مشاريع الطلب العمومي في الجزائر. أما في المغرب، فهناك كتائب إلكترونية تستلهم الخبرة الصهيونية في شن هجماتها على الجزائر، بعد إدراك استحالة التنافس الاستراتيجي مع الجزائر في المنطقة، نظرا لفارق العزيمة والقدرات.
مواقف شامخة
ويبقى موقف الجزائر الثابت والراسخ إزاء القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته وعاصمتها القدس الشريف أبرز المواقف التي ألّبت أعداء الحرية على الجزائر وعلى رأسهم الكيان الصهيوني، الذي جند ذبابه الإلكتروني لنشر أخبار كاذبة للمس بصدقية الجزائر ومحاولات بائسة لنشر الفرقة وخطاب الكراهية بين أبناء الشعب الواحد، لكنها محاولات باءت بالفشل، حيث تصدى لها الجزائريون، عبر مختلف المنابر، مؤكدين مستوى عاليا من الوعي بما يحاك ضد البلاد.
كذلك الأمر بالنسبة للقضية الصحراوية العادلة، التي تعتبرها الجزائر وعديد أحرار العالم، أنها آخر قضية تصفية استعمار في القارة الإفريقية. كما تعتبر مفتاح الاستقرار واستكمال الاندماج الإقليمي، حيث تتمسك الجزائر بقرارات ولوائح الشرعية الدولية فيما خص آخر إقليم من الأقاليم غير المتمتعة بالإستقلال ومدرجة على طاولة الأمم المتحدة كقضية تصفية استعمار.
وتدافع الجزائر عن حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، بتنظيم استفتاء تكون فيه الكلمة الأخيرة للصحراويين وحدهم، باعتباره حقا مكرسا في القانون الدولي وفي ميثاق الأمم المتحدة.
غير أن هذا الموقف يزعج المخزن المتصهين، الذي يريد فرض طرحه أحادي الجانب خارج قوانين الأمم المتحدة وقراراتها، فراح يشوه صورة الجزائر. تشير كل القرائن الرقمية، إلى أنه يقف وراء أغلب الحملات التي تستهدف الجزائر، بما فيها محاولته الإيقاع بينها وبين دول شقيقة، بتحريف ونشر أخبار زائفة ومضللة، حتى لو كلفه الأمر اختراق السياسة التحريرية لوسائل إعلام دولية، مثلما حدث مع إذاعة مونتي كارلو الدولية الفرنسي، قبل أسابيع.
وقام الذباب الإلكتروني المخزني بإغراق «هاشتاغات»، لضرب استقرار الجزائر والتحريض على الفوضى، والتدخل في كل القضايا التي يتناولها الجزائريون فيما بينهم، لكن دون جدوى. ووصل الأمر بوسائل إعلامية مغربية إلى حد تخدير الرأي العام المغربي بكذبة أن صور حملات الحصاد والدرس العام الماضي بولاية أدرار، مصممة بالذكاء الاصطناعي.
عويل فرنسا
وليس المخزن والكيان الصهيوني وحدهما من يجند مرتزقة مدونين وإعلاميين في غرف الظلام، لحياكة أكاذيب ضد الجزائر. ففرنسا صاحبة التاريخ الاستعماري البشع، تدير هي الأخرى حربا إعلامية وإلكترونية قذرة ضد الجزائر، بعدما فكت الارتباط بمستعمِر الأمس، الذي بقي إلى وقت قريب جدا ينهب ثروات البلاد ويسرق خيراتها، قبل أن تقرر القيادة الحالية فطامه، واسترجاع كامل التحكم في المقدرات الاقتصادية، لإطلاق مشاريع اقتصادية ضخمة استقطبت المستثمرين من كل أنحاء العالم، وقطعت الطريق أمام الاحتكار الفرنسي الذي فرضته سياقات داخلية في وقت سابق.
وحالت هذه الاستراتيجية الجزائرية الجديدة دون استئثار فرنسا بالسوق الوطنية، وتراجعها إلى مراتب متأخرة في سوق الاستثمار الحقيقي، مع خسارتها ملايير الدولارات في الجزائر.
ليس هذا فحسب، بل إن فك الارتباط هذا لم يؤثر فقط على مكانة فرنسا في السوق الجزائرية، بل جعلها قدوة لعديد دول الفرنك الفرنسي من المستعمرات الإفريقية السابقة، لتحذوَ حذو الجزائر في الانعتاق من الاتفاقيات مع فرنسا التي رافقت نيل الاستقلال السياسي لتلك الدول، وبقيت تلك الاتفاقيات قيودا تكبل النمو والتنمية هناك.
هذا بالإضافة إلى أن تعامل الجزائر الند للند على أساس الاحترام المتبادل ومبدأ رابح- رابح، جعل فرنسا، التي يتحكم فيها اليمين المتطرف، تشن حرباً إعلامية قذرة من دكاكين إعلامية وإعلاميين مرتزقة لتشويه كل ما هو جزائري.
يذكر، أن وزير الاتصال أكد في وقت سابق، أنه تم رصد أزيد من 9 آلاف مدون وصحفي لديهم سجلات سوداء معادية للجزائر، تم تسخيرهم في مختلف المنصات لشيطنة كل ما هو جزائري، وفق أجندات دوائر معادية.
وفي ظل الانسداد السياسي والاقتصادي بفرنسا، يجد اليمين المتطرف في مهاجمة الجزائر مادة يومية لصناعة الاستقطاب، معتمدًا في ذلك على خطاب عدائي يستهدف الجزائريين في الداخل الفرنسي والجزائر كدولة، في محاولة لاستعادة جزء من الشارع الانتخابي الغاضب من تردي الأوضاع الاجتماعية.
وقد سبق لمسؤولين جزائريين التأكيد، أن «الجزائر لا تصنع أعداءها»، وأنها «تعي جيدًا من تخاطب ومن تستمع إليه»، حيث تدرك جيدا الدوافع والخلفيات التي تريد الاقتطاع من سيادتها، وإرغامها على التنازل في ملفات مبدئية كملف الذاكرة الوطنية، لكنها مصممة على عدم التنازل عن تضحيات الشهداء.