واقع التمدرس مجحف بالرّغم من القوانين
كشفت رئيسة الجمعية الوطنية لاضطراب طيف التوحد، ليلى والي، أنّ الآليات والبرامج التي خصصتها الدولة الجزائرية للتكفل بأطفال التوحد موجودة ومنبثقة عن قرارات حكومية واجتماعات وزارية تولت الاهتمام بالموضوع.
بتاريخ 19 ماي 2021، تمّ تشكيل لجنة متخصصة بتطبيق الآليات من جهة وتحسين الواقع الذي تعيشه هذه الفئة خلال السنوات الأخيرة، وتسجيل عديد السلوكات الإيجابية من جهة أخرى.
إلا أن واقع التمدرس بالنسبة لفئة أطفال ومراهقي طيف التوحد يعتبر مجحفا بالنظر لصعوبة تطبيق ومقاومة القرارات والمناشير من قبل المؤسسات التربوية. وأفادت والي أنه تجد القلة القليلة فقط من تستقبل الطفل المتوحد، الذي يستوجب مرافقته برفيق، وهو الأمر الذي يطرح عديد المشاكل في تمدرس أطفال طيف التوحد، لتؤكد في ذات السياق أن المتوحد مكانه مع المجتمع كما هو معمول به عالميا.
وتكون عملية إدماجه في الوسط المجتمعي يعتبر ضرورة على رأسها المؤسسات التربوية التي تعتبر أولى الخطوات الأساسية للتكفل بفئة طيف التوحد، وأنّ فكرة إنشاء مراكز متخصصة باستقبالهم ستزيد من عزلتهم وعدم تواصلهم وعناصر المجتمع، وأنه كلما تم الإسراع في إدماجهم مبكرا سيساعد ذاك في جعله إنسان متوازن يتواصل بشكل جيد.
وأكدت على هامش المنتدى الأول الخاص بأطفال طيف التوحد، الذي جاء تحت عنوان «تمدرس أطفال التوحد واقع وتحديات»، المنظم من طرف المجلس الشعبي الولائي لولاية قسنطينة بالتنسيق والجمعية الوطنية لاضطراب التوحد، أنّ الإحصائيات حول المصابين بداء التوحد تشير إلى تسجيل حالة توحد من أصل 65 حالة ولادة، هذا وسط غياب رقم حقيقي حول عددهم في الجزائر سيما مع ارتفاع نسبة التشخيص.
وأشار الدكتور بوراس محمد أمين، المختص في الطب النفسي للأطفال، إلى إحصاء نصف مليون إصابة في الجزائر، مشيرا إلى فئة البالغين من المتوحدين التي تعيش بيننا وغير محصاة، مشددة على أهمية التقدم في تشخيص طيف التوحد لدى البالغين في السنوات الأخيرة.
وتساءل عن سبب الإخفاقات التي أدت إلى تراجع الدمج المدرسي من أجل إجراء تشخيص دقيق لتحسين الرعاية المدرسية للطلاب المصابين بالتوحد، وعن كيفية التعامل مع المصاب بالتوحد بعد الخروج من الأقسام الخاصة في الطور الابتدائي، ودمجهم في أقسام عادية في الطورين المتوسط والثانوي وحتى مراكز التكوين المهني وهو تكفل غير متوفر.
من جهته أفاد مدير التربية منصر عبد المجيد، أنّ قطاع التربية يضم 10 مليون طفل متمدرس في الأطوار التعليمية الثلاث من بينهم نصف مليون طفل توحد مدمج، فيما يبقى السؤال حسبه مطروحا حول وجود أطفال خارج الإحصاء، وهو ما أكدته الدراسات.
وأضاف أن عدد المتمدرسين من المتوحدين نسبته تصل إلى 98 بالمائة لتبقى نسبة 2 بالمائة من الأبناء خارج المدارس غير مسجلين يمكن أن يكونوا من أبناء البدو الرحل أو ممّن يعانون من وضعيات مرضية مختلفة.
وذكر بأنّ الجانب التشريعي الخاص بهذه الفئة موجود، غير أنّ الجانب الإجرائي صعب تطبيقه والعدد يتطور ليس بسبب ارتفاع المصابين بل للاقبال على التشخيص، والذي كان كذلك بفضل الجمعيات والتواصل مع الأولياء في اكتشاف الحالات داخل الأقسام العادية.
وذكر مدير التربية، إلى أن الأقسام الخاصة بالتأطير البيداغوجي موجود في التعليم الابتدائي فقط، وغير متوفر في الطور المتوسط والثانوي، ولا يوجد أساتذة أو أقسام للتكفل بهم.
وتحدث في ذات السياق، عن مشروع من قبل وزارة التربية والتعليم الوطني جاري العمل عليه للتكفل والتأطير للأقسام الخاصة في الطورين المتوسط والثانوي، وهذا بعد طرحه على وزارة المالية لتحديد المناصب وإجراء بعدها مسابقة خاصة للأساتذة المعنيين.
من جانبه، أكد مدير النشاط الاجتماعي والتضامن ضرورة التشخيص المبكر من طرف الأطباء المختصين من أجل التوجيه الأمثل، والتكفل الجيد لمراكز متخصصة، منوها لوجود حوالي 08 مراكز بالولاية، 06 منها تابعة للقطاع العمومي وأخرى للقطاع الخاص ومركز تابع للجمعيات، مع ضرورة وجود تنسيق بين وزارة التربية والتضامن الاجتماعي من أجل تكفل أحسن بهذه الفئة التي لم تجد لحد اليوم تأطيرا يساعدها في الدمج المجتمعي والتواصل النفسي والتربوي.
ونوّه لضرورة الإدماج المدرسي لهذه الفئة دون تمييز، إلى جانب إنشاء فضاءات تؤثر في الطفل بشكل إيجابي لاسيما أن طفل التوحد لا يصنف من ذوي التخلف الذهني، وإنما يحتاج فقط لمعاملة خاصة وصحيحة ومرافقة دائمة تساعده في تخطي مخاوفه، وتساعده على التواصل والعالم الخارجي.
كما تحدّثت الأستاذة مساعدة في الطب النفسي للأطفال سهام زاهي، عن جملة اقتراحات تتمثل في تكوين مساعدين تربويين لمرافقة الطفل المتوحد ذلك من أجل تحسين ثقته بنفسه والتعامل مع العالم الخارجي بانفتاح أكثر وتواصل متوزان، إلى جانب وضع برنامج تعليمي خاص، حيث لا يمكن تطبيق برنامج عام على مصابي طيف التوحد، خاصة وأن هذا الأخير يتمتع بمهارات بصرية عالية ما يمكن استغلاله لتجسيد برنامج خاص.
من جهته، البروفيسور تيرانتي إدريس، المختص في الطب النفسي بمستشفى الدقسي، أكد أن الدراسات الميدانية تؤكد أن أكثر من 32 بالمائة من الأطفال يعانون اضطرابات نفسية، حيث أن ذات الإحصائيات تشير إلى زيادة في الإصابة بطيف التوحد واضطرابات متنوعة غير مشخصة.
وأشار إلى أنّ قضية الإدماج المدرسي تنطلق من مبدأ أخلاقي إنساني والاندماج في التطور الاجتماعي وتكافؤ الفرص، والذي يعتبر الأرضية لسياسة التعاملات الصحيحة والمدروسة تجاه أطفال طيف التوحد، وأن المدرسة الشاملة لجميع الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وخاصة أولئك الذين يعانون من التوحد، حيث يجب على جميع الأطفال أن يطمحوا للإنضمام إلى المجتمع.
وأحرزت بعض الدول تقدّما كبيرا في هذا الاتجاه رغم الصعوبات التي واجهتنها، ونتائجها كانت جد مشجعة، وأن تجارب التي قدمتها هذه الدول أعطت نتيجة إيجابية رغم صعوبتها، مضيفا إلى أن المؤسسات الجزائرية غير مؤسسة على قبول الفوارق الخاصة، كما لا توجد مراكز للتشخيص والمتابعة الجيدة لهذه الفئة.
وذكر الدكتور محمد لمين بوراس من المؤسسة العمومية بتيزي وزو، أنّ تعريف التوحد اختلف من وقت لآخر، حيث كان سنوات الخمسينات والستينيات يعد مرضا عقليا ثم إعاقة ذهنية، غير أنّه وبعد إحصاء 100 ألف مصاب بالتوحد لديهم مستوى جامعي ومهارات فكرية رفض التعريف، وأصبح يعرّف على أنّه اضطراب ووجب وضعه في مكان لائق يتأقلم فيه مع قدراته ونمطه الخاص في التفكير، قائلا «هناك نوعان من الاضطرابات هناك توحّد صافي، وآخر فيه اضطرابات مصاحبة».
وذكر أنّه عاين خلال مسيرته الطبية النفسية لحوالي 200 شخص بالغ من المصابين بالتوحد ما فوق 20 سنة، حيث عانى الكثير منهم من مشاكل، مشيرا إلى أنّ الجزائر لا تملك إحصائيات دقيقة فيما يخص التوحد، غير أنّه نجد نصف مليون مصاب بالتوحد وطنيا، ومن خلال أبحاثه في عدد الملفات الموضوعة حول البحث عن تشخيص طيف التوحد في مستشفيات العاصمة فقط، تمّ إحصاء 20 ألف ملف موضوع، وهذا دون الحديث عن الولايات الأخرى.