تعتبر ولاية تبسة من بين الولايات السهبية في الوطن الأكثر عرضة للتصحر، نظرا لموقعها الجغرافي المجاور للولايات الصحراوية. تتربع على أكثر من 211 ألف هكتار من الغابات، معظم أراضي الولاية حساسة للتصحر ومن هنا جاءت الحاجة الى برنامج لمكافحة التصحر، حيث عمدت محافظة الغابات لولاية تبسة على تسطير برامج قائمة على مكافحة زحف الرمال ومن أهمها توسيع وإعادة الاعتبار للسد الأخضر.
مساحة السد الأخضر عبر إقليم ولاية تبسة 401138 هكتار، يمر عبر 9 بلديات هي: بئر العاتر، أم علي، صفصاف الوسرى، الماء الأبيض، ثليجان، المزرعة، الحويجبات، سطح قنتيس، العقلة المالحة. مناخه شبه جاف منخفض، يتراوح مقياس التساقطات بين 150 و350 مم في سنة، توزع مساحة السد الأخضر على خريطة المناطق الحساسة للتصحر، فمعظم مساحته تقع بأراضي حساسة للتصحر، يعبر عنه وجود نبات الحلفاء ومنابت الشيح.
وفي هذا الصدد، كشف محافظ الغابات لولاية تبسة محمد عجيب عواج، أن مصالحه قد شرعت في سلسلة من الخرجات بالبلديات التسع المعنية بالمشروع، لتحديد الأصناف التي يمكن غرسها وتحديد احتياجات السكان في هذه المناطق، حيث تم خلال 10 سنوات الأخيرة شق المسالك لفك العزلة عن مسافة 349 كلم وانجاز 239 وحدة للطاقة الشمسية لفائدة الساكنة و1500 متر طولي من السواقي و15 بركة مائية وغيرها من الإنجازات لفائدة قاطني هذه المناطق.
مؤشرات إيكولوجية
بعد تحديد الاحتياجات الأساسية للسكان في هذه المناطق، خاصة المتعلقة بشق الطريق ومياه السقي الفلاحي والطاقة الشمسية، فمشروع السد الأخضر يهدف إلى تثبيت السكان في أراضيهم، من خلال إشراكهم في مسار الإنتاج الوطني خاصة الفلاحة. فمن خلال تحديد نوعية الأشجار التي يتم غراستها، على غرار الزيتون واللوز والفستق الحلبي والخروب والتين الشوكي وهي التي تستطيع العيش في هذا المناخ ولا تتطلب كميات كبيرة من المياه، وذلك بهدف تحسين ظروف العائلات المعيشية وإيجاد دخل لها بغرس الأشجار المثمرة بدلا من أشجار الصنوبر الحلبي والكاليتوس، ليصبح من أهداف إنجاز السد توسيع وحماية وتثمين الموارد الطبيعية عن طريق زيادة إنتاج الأشجار المثمرة التي يصبح الفلاح المسؤول المباشر عنها بعد غراستها من طرف مصالح الغابات وتوفير مناصب شغل، الى جانب حمايته للتربة من الانجراف، عن طريق تصحيح المجاري المائية، ومن جهة أخرى تحسين المناخ حيث يساهم في خلق مناخ رطب بالمنطقة.
نشاطات عادت
من خلال توسيع وتثمين الثروة الغابية بالمنطقة، تم زيادة نسبة التغطية الغابية وتوسيع المناطق الرعوية بـ1194 هكتار، حيث ساهمت هذه المساحة في إنتاج أكثر من مليوني وحدة رعوية تغطي 14328 رأس من الأغنام. وساهم توزيع وحدات الطاقة الشمسية لبقاء الساكنة بمنازلهم بالمناطق الريفية والمعزولة التي لا يمكن توصيل الكهرباء لها، ومن جهة أخرى كان إنجاز 15 بركة مائية حافزا لتشجيع الفلاحة وبقاء الفلاح في أرضه واستغلالها في السقي وري المواشي.
وتقضي الرمال الزاحفة نحو المناطق السهبية سنويا، على مئات الهكتارات الصالحة للزراعة. ومن هنا انطلقت فكرة السد الأخضر التي كانت الجزائر من بين الدول السباقة في إنجازه خلال سبعينيات القرن الماضي وهذا لما له من فوائد إيكولوجية ونباتية ومناخية، الظاهرة منها والباطنة، بالإضافة إلى ما يفتحه هذا المشروع من أفاق بيئية واقتصادية.
تعتبر ظاهرة التصحر والجفاف من أهم المشاكل التي تعيق خطط واستراتيجيات التنمية وهي ناتجة في المقام الأول عن الأنشطة البشرية والتغيرات المناخية، حيث أن أكثر من ثلث مساحة اليابسة في العالم معرضة بشدة للاستغلال المفرط والاستخدام غير الملائم للأراضي. كما يمكن أن يؤدي الفقر وعدم الاستقرار السياسي وإزالة الغابات والرعي الجائر وممارسات الري السيئة، إلى تدمير إنتاجية الأرض، وبالتالي أعلنت الأمم المتحدة يوم 17 جوان رسميا اليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف ويتم الاحتفال به لتعزيز الوعي العام بالجهود الدولية وتم الاحتفاء به هذه السنة تحت شعار «استصلاح، أرض، تعافي».
لمحة تاريخية
يعتبر السد الأخضر، الذي يربط خارطة الجزائر من الشرق للغرب، من بين الإنجازات الهامة للدولة الجزائرية ومن أكبر المشاريع في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين. كان الهدف منه إقامة شريط نباتي قصد إيقاف زحف الصحراء نحو الشمال.
انطلق المشروع فعليا عام 1971 بغرس آلاف الأشجار من الصنوبر الحلبي وكان على عاتق أفراد الجيش غرس معظم أشجاره على طول 1700 كلم، تم اختيار الإسم دلالة على فكرته المنبثقة من السد الذي يمنع زحف الرمال نحو المساحات الخضراء.
ويمتد السد الأخضر من ولاية النعامة إلى ولاية تبسة، عبر 23 ولاية. وقد بدأت عملية إعادة الاعتبار للسد بعد سنوات من التوقف وتدهور أجزاء كبيرة منه، وهذا بهدف الحفاظ على التوازن البيئي والنظام الإيكولوجي ومكافحة التصحر ووضع حد لظاهرة زحف الرمال