ككل سنة تحرص العائلات الأوراسية على “تأكيد” الاحتفال “بعيد ينار” وهو رأس السنة الأمازيغية من خلال استحضار عادات وتقاليد الأجداد الضاربة في أعماق التاريخ بالمنطقة التي شهدت تعاقب حضارات خالدة، حيث يكون للطقوس التاريخية المُميزة بالمنطقة في مثل هذا العيد حضور قوي حفاظا على الهوية الأمازيغية وتفاؤلا بـ “أسقاس أمقاس أو أسقاس أمروبح” والذي يعني سنة سعيدة.
تزينت الفضاءات العُمومية بولاية باتنة، بالتراث الشاوي الأصيل، حيث سطرت ولاية باتنة برنامجا ثريا للاحتفال بـ “ينار” من خلال أنشطة ثقافية وفلكلورية متنوعة، احتضنتها منطقة غوفي السياحية ببلدية غسيرة بدائرة تكوت، تعكس المورُوث الحضاري، الذي جسدته معارض للصور وألبسة تقليدية ومُحاضرات وندوات للتعريف بالمورُوث التاريخي والثقافي للحضارة الأمازيغية، وسط إقبال كبير للمُواطنين من مُختلف مناطق الولاية وحتى بعض الولايات المجاورة لتزامن الاحتفالات مع يوم عطلة.
أصبح الاحتفال بينار في الجزائر فرصة للتعريف بمآثر الأسلاف، فيناير أو ينار هو أمازيغية تعني الشهر الأول، أي أول شهر في التقويم الفلاحي للسُكان، ويرتبط هذا التاريخ بعدة وقائع وقصص ومُعتقدات منها قصة العجوز التي سبت شهر يناير ولم تكترث لقدسيته عند السكان، وناقضت المألوف وأخرجت قطيع أغنامها للمزرعة، متحدية الطبيعة وقوتها، فانتقمت منها بعاصفة ثلجية قوية جمدتها وقطيعها.
في حين هناك من يرجع الاحتفال بعيد يناير إلى بداية الموسم الفلاحي والارتباط الوثيق بالأرض، تفاؤلاً بقدوم سنة فلاحية واعدة خضراء، حيث يبدأ الفلاحون في تهيئة الحقول والمزارع ومختلف الأراضي الفلاحية قبل حلول ينار ومباشرة مختلف الأعمال الفلاحية لضمان موسم فلاحي واعد حيث تكرس مختلف الاحتفالات بهذا اليوم تمجيد الطبيعة.ولعلّ من بين العادات الراسخة في ينار بالأوراس الامتناع عن تناول أي شيء مرّ تفاؤلاً بالخير، حيث تقوم العائلات بذبح ديك أو دجاجة أو رأس غنم لحماية العائلة من الأمراض والعين والحسد طيلة أيام السنة، حيث يأتي “أمنسي نينار”، وهو طبق العشاء ضمن أولويات الاحتفال وغالبا يكون طبق الكسكسى “أبربوش” أو الشخشوخة “التريذ” هو الطبق الرئيس الذي يُزين المائدة ويجتمعُ حوله كُل أفراد العائلة، حيث يرمز التنوع في أطباق المأكولات لكثرة الرزق والأرباح وجني محصُول وفير طيلة العام، كما يتم طهي لغرايف “ثورظفيست” والشرشم “إرشمن” ...إلخ.ومن بين العادات الأخرى التي لا يزال لها أثر ببعض مناطق الاوراس خاصة النائية منها، حلق شعر المولود الجديد الذي بلغ سنة من عمره، كما تحرص النسوة خاصة ببعض المناطق الريفية على تغيير ديكور المنزل واستبدال أحجار الموقد والأواني القديمة بأخرى جديدة خاصة تلك المصنوعة من الطين.
ومن العادات الراسخة أيضا اجتماع نسوة العائلة الواحدة في أحد المنازل لإحياء صلة الرحم التي تأخذ حيزا كبيرا من اهتمام الشاوية في هذه المناسبة، مع ترسيخ لعبة “ثاعشونت” والتي تعني “العائلة الصغيرة” في نفوس الأطفال لتعويدهم على المسؤولية حيث يتم تكليف طفلة صغيرة بتعلم تحمل مسؤولية وتسيير المنزل وتنظيفه، في حين تسند مهمة العمل للطفل خارج المنزل خاصة بعض الأعمال الفلاحية كالرعي وتقليم الأشجار وغيرها، والهدف من هذه اللعبة في هذا اليوم بالذات هو تلقين روح المسؤولية.
واللافت في هذا اليوم حرص السكان على إحياء ليلة رأس السنة الأمازيغية حفاظا على جذورهم الأمازيغية وهويتهم الشاوية الأصيلة، وهو الموروث الذي جسدته ميدانيا وفي مختلف الفضاءات بعض الجمعيات الناشطة عبر برنامج مُميز وثرّي حول أبعاد الاحتفال بالمُناسبة، لغرس رُوح الوطنية وحب الأرض وتثبيت الثقافة المحلية، وتأكيد الالتزام بالحفاظ على الهوية الشاوية، لتبقى بذلك العائلات الجزائرية ككل سنة وفية للاحتفال بينار.