العائلات والمحلات تحضّر لاستقبال رمضان

استعدادات روحية ونفسية للشهر الكريم بمعسـكر

أم الخير س.

تُظهر العائلات الجزائرية تمسكها بالتقاليد المتوارثة، في كل مناسبة دينية أو اجتماعية، أما إذا ارتبطت المناسبة بحلول شهر رمضان الفضيل، يُبالغ الجزائريون في إظهار فرحتهم أسابيع قبل حلول الشهر الكريم، ولا ضرر في ذلك مادام صيام رمضان أحب شهر للرحمان، وفرصة لتعزيز الروابط الأسرية والاجتماعية.

 تمتزج المشاعر الروحانية والتقاليد الاجتماعية في شهر رمضان، الذي يعتبر موسما تتجدّد وتتقوى فيه صلة الأرحام، حيث تعبر الكثير من العائلات بغرب الوطن، على غرار ترابه كاملا، عن فرحتها بقدوم رمضان وتحرص على أن تكون هذه الفترة مليئة بالبركات والخير والتفاؤل، وتجتهد الأسر في التحضير لاستقباله، بمظاهر ومشاهد مختلفة، تعبيراً عن التمسك بالتراث الديني والاجتماعي.

مساجد تتزيّن

لا تقتصر التحضيرات للشهر الكريم على الاستعدادات المادية فحسب، بل استعدادات روحية ونفسية تعكس مدى تعلق الجزائريين بهذا الشهر الكريم، فمن أبرز ما يلحظ من تحضيرات، تهيئة المساجد وتزيينها لاستقبال المصلين، الأمر الذي تخضع له البيوت أيضا، التي تفرش بأبهى حلة وتتزين لاستقبال الضيف العزيز، كما تحظى الشوارع والساحات العامة هي الأخرى بقسط وافر من الزينة والصيانة، إنذارا بحلول شهر الخير والبركات.
بولاية معسكر، تبدأ التحضيرات من المنازل التي يعاد طلائها زيادة على تجديد الأفرشة والستائر والأواني، ويبلغ تأثيرها على الشوارع والأسواق بذلك، حيث تعج بالحركة والنشاط التجاري، ويعتبر التسوق المكثف وازدحام الأسواق في الأسابيع الأولى لشهر شعبان، من أقوى المشاهد التي تنذر بقرب حلوله، إذ تُعد الأسواق والمحلات التجارية وجهة رئيسية للعائلات، بين راغب في تجديد ديكور منزله ومقبل على اقتناء المواد الأساسية والأواني الجديدة والأغطية المزخرفة، والتي تُستخدم لتزيين المنازل وإضفاء جو من الفرح والبهجة.

تقاليد عريـقة تـبعث طاقة ايجابـية

وعن ذلك، قالت حليمة موظفة بالقطاع الصحي بمعسكر، أن العائلات الجزائرية قاطبة، تولي اهتماماً كبيراً لاستقبال رمضان بتنظيف المنازل وتزيينها، واعتبرت ذلك تقليدا حميدا ورمزا للتجديد والاستعداد الروحي، الذي يبعث في النفوس كمّا هائلا من الطاقة الايجابية، مشيرة أنها ستخصص عطلة نهاية الأسبوع لتنظيف بيتها وإعادة ترتيبه، وإضافة لمسات تزيينيه على الجدران بالزخارف الإسلامية والفوانيس الملونة التي صارت متوفرة بالأسواق المحلية، على غير العادة، موضحة أن تزيين البيوت بالفوانيس تقليد جديد لم يكن سابقا من مظاهر الاستعداد لشهر رمضان بمعسكر، غير أنه يعطي لمسة خاصة بهذه المناسبة.
وأضافت ربة البيت الموظفة، أنه طرأ الكثير من التحضيرات المستجدة، بفعل الظروف الاجتماعية للمرأة العاملة، موضحة أنه حرصا على التوفيق بين الواجبات المنزلية والالتزامات المهنية، يجبر الكثير من النساء العاملات، على تحضير بعض المأكولات التقليدية والعصرية مسبقا وتخزينها في المبرد، مشيرة أن المأكولات التقليدية جزء لا يتجزأ من التحضيرات الرمضانية، فبالنسبة لحليمة التي تفضل العمل شهر رمضان بدل الخروج في عطلة، لابد من تحضير وتخزين بعض الأطباق في المبرّد، كونها لن تستطيع التفرّغ لإعدادها لضيق الوقت أيام الصيام.
وتحدثت حليمة، عن الاختلاف الموجود بين عادات وتقاليد التحضير في الماضي والحاضر، مشيرة أنه ليس بالاختلاف الجوهري، إنما شكليات خفيفة تختلف باختلاف الظروف، بينما لا يوجد اختلاف في التحضيرات الأساسية، حيث أشارت على سبيل الذكر، إلى التوابل التي كانت تحضر منزليا وتجفف تحت أشعة الشمس وتطحن يدويا بالمهراس، والتوابل الرمضانية التي تقتنى حاليا جاهزة بأنواعها وأذواقها المختلفة، إضافة إلى الكسكسي الذي يعتبر كطبق أساسي لوجبة السحور، والذي كان في وقت ما يجهز ويجفف بكميات كبيرة ويخزن للشهر الكريم، بينما يتوفر في الوقت الحالي في الأسواق ويمكن اقتناؤه بيسر.

لا يـفرطن في تحضير التوابل وشراء أواني جديدة

في سياق ذي صلة بالتغييرات المستجدة على عادات وتقاليد التحضير لشهر رمضان، قالت عومرية-ربة بيت غير عاملة في الخمسينات من العمر، أنها لن تفرط في تحضير التوابل والأعشاب العطرية بيدها، فهي تقتني كميات كافية من الأعشاب ذات النكهات الطيبة على غرار النعناع والحبق والفليو، التي تضاف إلى طبق الشوربة والحريرة، مبررة ذلك أن تحضيرها يدويا بدل شرائها من المحلات، “يملأ البيت برائحة زكية ومنعشة نسميها منذ صغرنا برائحة رمضان”، وأشارت عومرية مسترجعة سنين الشباب والطفولة بشاعرية عميقة: “تحضيرات رمضان بالنسبة لي ذكريات لها نكهة ورائحة وصوت عالق في ذهني، فكلما خرجت لشراء مقتنيات البيت، تذكرت والدتي التي كنت أرافقها للتسوق”، وتضيف: “شراء الأواني الجديدة أمر ضروري، لكنني أفضل أن أقدم أشهى الأطباق في طاقم أهدتني إياه أمي”.
أما بالنسبة لمنير- صاحب محل تجاري أربعيني، فقال أن ربات البيوت تبالغن في التحضير لشهر رمضان، معتقدا أنه لا حاجة لتجديد الأواني وبعض مستلزمات تجهيز المطبخ، مستغربا إنفاق النساء للمال بنهم من أجل مقتنيات غير ضرورية، وأشار أن شهر رمضان بالنسبة لنشاطه التجاري، فرصة لا تعوض للربح وزيادة المبيعات، مشيرا أن هذه التقاليد والسلوكيات الاجتماعية التي يستغربها، تخدمه كثيرا، بينما يقاطعه شريكه في المحل قائلا: “شهر رمضان شهر الخير والبركة فأرباح التجار تتضاعف قبل وخلال هذا الشهر وهي تعوض كساد تجارة بعض المقتنيات باقي أيام السنة”.

تـتزايد فيه الأرباح ويـتعاظم أجر المحسنــين

وعلى الرغم من الاستغراب الذي أبداه منير من ارتفاع الإنفاق وتزايد سلوكيات الاستهلاك قبل رمضان، فقد عبر عن سروره لحلول الشهر الكريم، مشيرا أنه وإن كان رمضان موسما لربح التجاري، فهو أيضا شهر للكرم والتضامن، مشيرا أنه يخصص سنويا جزء من الأرباح من أجل إعداد 10 طرود غذائية للأسر الفقيرة، مضيفا أن رمضان مناسبة عظيمة للتراحم والتكافل الاجتماعي، وهو ما لا يجب أن يغفل عنه المسلمين، إضافة إلى التحلي بالتسامح والنزاهة في معاملات البيع والشراء، حتى يكون الصيام مقبولا.
وبعيدا عن الأجواء التي تشهدها الشوارع والمحلات قبيل حلول الشهر الكريم، تعرف البيوت حالة من النشاط الدؤوب، لاستقباله، حيث مازالت الكثير من العائلات تحتفظ ببعض التقاليد المتوارثة، على غرار طحن دقيق القمح لإعداد طبق الروينة، واعداد الكسكسي وتجفيفه بكميات كبيرة، حتى يقدم لوجبة السحور، حيث تعتبر “السفة” و«الروينة” وجبة ضرورية غنية بالبروتين النباتي التي لا تستغني عنها العائلات المعسكرية، بينما تعد الحريرة والشوربة والطاجين من الأطباق الرئيسية التي تقدم على مائدة الإفطار.

هــوّية ثقافية ثـرية

ولا تعدّ الأطباق التي تتزيّن بها موائد المعسكريين، مصدراً للغذاء فقط، بل تعبّر عن التراث الثقافي والاجتماعي للعائلات المحلية، فطبق الحريرة الذي تشتهر به منطقة الغرب الجزائري، هو سلطان المائدة الرمضانية والمناسبات العائلية، يفوح منه عبق التوابل والأعشاب المعطرّة، تتشارك تقليد تحضيره العائلات على اختلاف مستواها الاجتماعي، حيث تقول عائشة السبعينية، عن طبق الحريرة، أنها طبق الغني والفقير، خلاف طبق المحمّر بلحم الخروف مثلا الذي يعتبر أساسيا على الموائد الرمضانية، لكن لا تستطيع جميع العائلات توفيره دوريا على موائد إفطارها، حيث يستبدل طاجين المحمر بلحم الخروف عادة بطاجين الدجاج، مشيرة بابتسامتها الرائعة: “لحسن الحظ لديكم الكثير من الاختيارات والوصفات لإعداد طبق الطاجين في وقتكم الحالي.. حتى أن اللحوم الحمراء المستوردة صارت متوفرة وبأسعار ملائمة”.
وقالت عائشة، إن “التحضير والاستعداد لشهر رمضان، من العادات والتقاليد التي نوصي نحن كبار السن بالحفاظ عليها والتمسك بها، لأنها جزء من تاريخنا وثقافتنا وهويتنا، رغم أي ظروف قد تستجد من غلاء المعيشة وغيرها”، وتضيف: “كنا نستعد للشهر الكريم حتى في عزّ الحرب التحريرية، كنا نتفاءل بقدوم رمضان ونزين له المنازل ونحضر له الأطباق القابلة للتخزين والتجفيف، أشهر قبل حلوله وتزداد وتيرة التحضير لاستقباله في شهر شعبان”، داعية إلى اغتنام هذا الشهر من أجل التسامح بين صلات الرحم وتجديد العلاقات الأسرية وتمتينها والإكثار من الأعمال الصالحة والتكافل بين العائلات والجيران.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19706

العدد 19706

السبت 22 فيفري 2025
العدد 19705

العدد 19705

الخميس 20 فيفري 2025
العدد 19704

العدد 19704

الأربعاء 19 فيفري 2025
العدد 19703

العدد 19703

الثلاثاء 18 فيفري 2025