تعتبر ولاية باتنة من بين أهم الولايات المُنتجة للزيتون على المُستوى الوطني، رغم الظُروف المناخية الصعبة التي تشهدها الولاية جرّاء قلّة التساقط، حيث تشهد الولاية في الآونة الأخيرة مراحل مُتقدّمة لجني محصول الزيتون المُوجّه أساسا إلى المعاصر أو الاستهلاك المباشر، حيث تتعاون العائلات بالبلديات المنتجة لهذه الشعبة في عملية الجني ضمن تقليد عائلي قديم يعرف بالتويزة.
تعتبر شجرة الزيتون وعملية جنيه عند فلاحي ولاية باتنة، وخاصّة بالجهة الغربية للولاية كسفيان، نقاوس، أولاد سي سليمان،...الخ، مُهمّة لارتباطها بالإرث الثقافي والتاريخي للمنطقة، كون عملية الجني لها مكانة اجتماعية واقتصادية في حياة سكان الأوراس، ناهيك عن توفير عملية الجني لمناصب شغل موسمية للبطالين الذين يعملون على نقل وتحويل الزيتون، والتي تتم عادة بتعاون وتضافر جهود مجموعة من العائلات بالمنطقة.
ويقوم منتجو الزيتون من فلاحين وعائلات تمتلك أشجار الزيتون بعصر الزيتون لدى المعاصر التقليدية المُنتشرة بكثرة في باتنة خاصّة ببلديات سفيان، نقاوس، بومقر، والتي لا تزال تقاوم الحضور القويّ للمعاصر الحديثة التي تُستعملُ فيها أحدث تكنولوجيات العصر، حيث يقوم العشرات من الفلاحين من منتجي الزيتون بتحويل منتجاتهم إلى زيت في هذه المعاصر للحصول على أجود الزيوت، وبيعها للمُستهلكين الذين يقبلون عليها بكثرة لأغراض العلاج والاستهلاك المُباشر في الوجبات الغذائية التقليدية خاصّة في فصل الشتاء.
لا أحد يُنكر التراجع الكبير في عدد المعاصر التقليدية لإنتاج الذهب الأخضر، بالولاية باتنة، ما تزال المعاصر الموجودة “تكافح” من أجل البقاء والصمود في وجه المعاصر الحديثة، حيث يخوض أصحاب هذه المعاصر “صراعا” مع الزمن من أجل الحفاظ على مهنة الأجداد بل وتلقينها للأولاد للحفاظ على هذا الموروث.
وتعتبر بلدية سفيان من بين البلديات التي لا تزال تتوفر على عدّة معاصر تقليدية لعصر الزيتون، حيث يتم ربط الحمار بآلة الرحي عن طريق الحبل الذي يقوم بتدويره لتحريك الآلة والتي تقوم أثناء عملية التدوير بطحن حبات الزيتون كمرحلة ثانية بعد تسخينها في براميل كبيرة ممتلئة بالماء المغلي في درجة حرارة مرتفعة لتسهل عملية الرحي وفصل ثمار الزيتون عن غلافه، حسب ما أفاد به أحد الفلاحين، حيث يحافظ الطحن المتكرّر بهذه الطريقة التقليدية على سلامة نواة الحبات، ما يعطي في نهاية عملية العصر زيتا طبيعيا صافيا، يختلف ذوقه عن ذوق زيت الزيتون المعصور في الآلات الحديثة.
وتقدّم هنا المعاصر التقليدية نوعين من الزيوت أحدها بارد والنوع الآخر ساخن، حيث يمكن حفظ النوع الأول لعدّة سنوات ليستخدمه مستهلكوه في العلاج من بعض الأمراض كالأمراض الباطنية وأمراض الجلد وأمراض التنفس، حيث يقدّر سعر اللتر الواحد منه 2300 دج، في الوقت الذي يعمد مستهلكو الزيت الساخن إلى استغلاله في الطبخ والأكل، ولا يتجاوز سعره 1400 دج للتر الواحد.
ولعلّ العائق الذي يواجهه أصحاب هذه المعاصر التقليدية، حسب بعض الفلاحين هو تحقيق إنتاج جيد وكبير، حيث لا تستطيع هذه المعاصر إنتاج زيت زيتون بكميات كبيرة نظرا لقدمها وعدم توفرها على آلات تنتج بسرعة وبكثرة، ولعلّ هذه الأسباب هي من دفعت بأصحاب معاصر الزيتون بالولاية باتنة وبسفيان وبومقر ونقاوس تحديدا إلى تجديد جزئي لمعاصرهم بتزويدها بمحركات ميكانيكية وكهربائية بغرض الحفاظ عليها واستغلالها مجدّدا في عصر الزيتون ولمضاعفة كمية الإنتاج والحصول على عائدات مالية أكثر.
وتسجّل المعاصر التقليدية تراجعا من سنة لأخرى، بسبب بعض المشاكل كاستبدال الطاقة الحيوانية بالطاقة الكهربائية، لإنجاز عملية الطحن والعصر، إضافة إلى أنّ الآليات والأدوات القديمة التي تستخدم خلال مختلف العمليات تتعرّض للسرقة والتلف، إضافة إلى عزوف الشباب عن ممارسة المهنة والأعطاب الكثيرة، إضافة إلى أنّ العمل في معصرة تقليدية شاقّ بالمقارنة مع المعاصر الحديثة، يضاف للعوائق السالفة الذكر تدنّي راتب العامل في المعصرة التقليدية بالمقارنة بما يتقاضاه العامل في المعاصر الحديثة.