لازالت ظاهرة ارتداء “القشابية” إحدى معالم التراث والعادات والتقاليد التي توارثها الآباء عن أجدادهم داخل الأسر بولاية الشلف وعين الدفلى لما لها من رمزية وقيمة جمالية ووقاية من البرد القارس، تتجدّد بتجدّد نوازع الموضة والظروف البيئية والمناخية التي تفرض نوعية نسجها وأشكالها التي ظلّت محطّ الأنظار على اختلاف مراتبهم الاجتماعية.
الإحاطة بتاريخ اللّباس التقليدي الذي تعلّق به العربي عبر العصور فنسج خيوطه بعد معالجته لمادة صوف الغنائم ووبر الجمال وشعر الحيوانات من خيل ومعز وأصناف متعدّدة أخرى، سواء كانت أليفة أو متوحّشة، يقول الحاج قويدر من بلدية جليدة بعين الدفلى.
هذا المدّ التقليدي لم يتنصّل من خصائصه واستعمالاته التي تفنّنت فيه أنامل الصناعة التقليدية بعاداتها وأصناف مرتديها، يقول محترفو نسيجها وبائعوها في مختلف الأسواق الشعبية لتدخل باب المحلات والمتاجر الكبرى من بابها الأوسع، لكن يبقى مجال تسويقها في فضاءات الأسواق الشعبية المنتشرة عبر إقليم الولايتين كما هو الحال بواد الشرفة والعطاف وخميس مليانة والعبادية والعامرة وبومدفع وحمام ريغة.
أما بولاية الشلف فالأمر يتعلّق بفضاءات الكريمية وبوقادير وبوزغاية والشلف وسنجاس وغيرها من الفضاءات المعروفة.
وعن الأهمية التي يكتسيها هذا اللّباس الذي يغطي كلّ الملابس التي يرتديها الشخص، أكّد لنا بائعو القشابية والمولعون بها، أنّ ارتداءها يعود إلى اعتبارات اجتماعية ومعيشية تتعلّق بمظهرها ككسوة تقي صاحبها من قساوة الظروف المناخية من برد وتساقط الثلوج والرياح، فتجلب الدفىء والشعور بالراحة ووقاية الجسم من مخاطر الأمراض المتعلّقة بالظروف الطبيعية القاسية خاصّة في فصل الشتاء وتقلّبات الجوّ.
فبالرغم من تعدّد أصنافها وقيمتها ونوعية مرتديها إلاّ أنّ القشابية بشكلها الحالي تفي بغرضها ودورها من باب الأهمية التي تكتسيها لدى حامليها، يقول عبد الرحمان تاجر في المواد الغذائية رفقة زميله عمر من الكريمية بأعالي بلدية الشلف، وهذه الخاصية يشترك فيها ميسورو الحال وعامة الناس بما فيهم أصحاب العيش الرغيد.
أما نظرة الطبقة الأولى في العائلات الشلفية والدفلاوية فتلجأ إلى ارتداء القشابية برغبة الأبّهة والتبختر والتزيّن والظهور بالمظهر اللائق والأنيق. هذا الصنف يلجأ إلى مصافّ السلع الجيّدة والتي تخطف الأنظار وتسحر العيون، ويكون ارتداؤها في المناسبات والعطل الأسبوعية التي تكون فرصة للّقاء والجلسات الحميمية بين الأصدقاء.
أما بخصوص أسعارها فقد سجّلنا تباينا كبيرا في قيمتها المادية، خاصّة مع دخول فصل الشتاء وتدهور الظروف المناخية وارتفاع شدّة البرد خاصّة مع التساقطات الثلجية لمدّة أطول يقول فلاحو العبادية ومرتفعات الجمعة اولاد الشيخ الجبلية.
وفي هذا الشأن، أرجع الأمين العام لاتحاد الفلاحين الحاج لخضر الذي كان يرتدى هذا النوع من اللّباس مسألة غلاء القشابية إلى نوعيتها والنمط الذي صنعت به والمواد المكوّنة لها، حيث تتراوح بين 5و7 إلى 10ملايين سنتيم، أما النوع البسيط من هذا اللباس والموجّه إلى عامة الناس فسعره يتراوح بين 8 إلى20 ألف د.ج، وهي السلع التي تلقى رواجا بين الزبائن في الولايتين.
هذه الأنواع تعكس ثراء الصناعة التقليدية وامتدادها بين الأوساط الشعبية والحضرية والريفية التي لها خصوصية تفصيل وتشكيل القشابية التي تعتبر من التراث المادي والعادات والتقاليد المتوارثة من منطقة إلى أخرى، يقول من امتهنوا حرفة الخياطة لهذا اللباس الواقي الذي تعلّقت به عدّة شرائح من المجتمع على اختلاف مراكزهم الإجتماعية وانتماءاتهم الثقافية.
هذا ويأمل سكان الولايتين أن تحظى القشابية التي كانت أيام الحرب التحريرية اللّباس المفضّل للثوار من الجنسين يقول عمّي الحاج سليمان الغول المجاهد، خلال إحدى لقاءاته بالعناية كرمز للشهامة والرجولة والتراث المادي.