بات من المعروف أنّ وسائل التواصل هي أكثر من مجرد منصات رقمية للاتصال بالأهل والأصدقاء؛ إذ أصبحت قادرة على إحداث تأثيرات نفسية وعقلية عميقة على المستخدمين، وتتزايد هذه التأثيرات وفقاً لمدة الوقت المستهلك في استخدامها.
من ضمن التأثيرات ما كشفته أبحاث جديدة أجريت على مستخدمي تطبيق “تيك توك” الذي اتضح أنّه يساهم بشكل مباشر في تفاقم مشاكل صورة الجسم والرضا الذاتي لدى الشباب، ممّا يدفعهم إلى مقارنة أنفسهم بالآخرين، والسعي إلى معايير جمالية غالبًا ما تكون بعيدة المنال وغير صحية.
ووفقًا لدراسات حديثة فإنّ النّساء يتأثّرن بشكل خاص بهذه الظاهرة بعد قضاء بضع دقائق فقط في تصفّح فيديوهات التطبيق.
بالنسبة لتطبيق “تيك توك” الذي يسمح للمستخدمين بإنشاء مقاطع فيديو قصيرة، فإنّه يضمّ أكثر من مليار مستخدم تقريباً، ينشرون ويستهلكون ويتداولون المحتوى الضار الذي يهدّد الصحة النفسية، بما في ذلك مقاطع الفيديو التي تروّج لاضطرابات الأكل والأجسام النحيفة للغاية، ممّا يجعله يحدّد معايير جمالية غير صحية وغير واقعية.
وقد كشفت دراسة أسترالية بهذا الصدد أنّ اللواتي يقضين الكثير من الوقت على تطبيق “تيك توك” يشعرن بالسوء بشأن مظهرهنّ، ممّا يشير إلى أنّ التعرّض الكبير لمقاطع هذه المنصة تحديداً يضر بالصحة العقلية، ويقلّل من الرضا عن صورة الجسم، ويزيد من مخاطر اضطرابات الأكل.
وفي النتائج التي نشرتها مجلة “بلوس وان” العلمية، تمت مقارنة مقدار استخدام “تيك توك” وما ظهر على المستخدمات من أعراض اضطراب الأكل، ومعاييرهنّ لصورة الجسم، ومقاييسهنّ للجمال، ومعدلات خطر الإصابة بفقدان الشهية العصبي، وهي مجموعة من أنماط مشاكل النظام الغذائي النفسي واضطرابات الأكل المتأصّلة بالأمراض العقلية المعروفة، وعلى رأسها القلق والاكتئاب.
وبعد مشاهدة ما بين 7 و8 دقائق فقط من المقاطع المجمّعة على المنصة لمحتوى رائج ومتداول يتعلّق بالحرمان من الكثير من أصناف الطعام بدعوى الرشاقة، وجماليات النحافة المفرطة، ونصائح لفقدان الوزن، وما يُسمى “روتين الديتوكس” القاسي للجسم، والممارسة الرياضية المفرطة، وحتى التناول المفرط لطعام “Binge Eating” كشفت النتائج أنّ محتوى “تيك توك” يؤثر سلبًا على صورة الجسم ومعايير الجمال لدى المشاهدين، خاصة الفتيات اليافعات.
ووجد الباحثون أيضاً أنّ التعرّض لأكثر من ساعتين يوميًا لمحتوى “تيك توك” قد يكون مرتبطًا باضطرابات الأكل بشكل مباشر، ولكنهم خلصوا إلى أنّ هناك حاجة إلى مزيد من البحث لاستكشاف أبعاد هذه المشكلة بوضوح.
المحتوى المعزّز للاضطرابات النفسية
على الرغم من محاولات منصة “تيك توك” للحدّ من انتشار المحتوى الذي يعزّز مشاكل الصحة العقلية عبر التحكّم في الكلمات المفتاحية المرتبطة بالاضطرابات النفسية، فإنّ الواقع لا يزال يتطلب مزيدًا من التنظيم، بحسب الباحثين.
وذكر متحدّث باسم المنصة أنّ “تيك توك” تسعى لتوفير تجربة مشاهدة متنوّعة وآمنة للمستخدمين، فما قد يثير قلق أحدهم يعد مناسبًا تمامًا لآخر.
وهذا يطرح سؤالًا طالما أثير حوله الكثير من النقاش: كيف يمكن للمستخدمين الاستمتاع بتجربة غنية وخالية من الأضرار النفسية عند استخدام وسائل التواصل بشكل عام، و«تيك توك” بشكل خاص؟
ويشير خبراء علم النفس إلى أنّ تحقيق “صحة رقمية” مناسبة ضروري، حيث يمكن أن يؤدّي “التعرّض المستمر لمحتوى ضار يتمحور حول النحافة واضطرابات الأكل إلى زيادة خطر القلق والخوف والتوتر والاكتئاب بشكل كبير” ممّا قد يؤثر سلبًا على دورة النوم الطبيعية ويستنزف طاقة المستخدمين.
ومن الناحية الفيزيولوجية، يرتبط التصفّح المستمر لمواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة المحتوى الضار، بزيادة هرمونات التوتر مثل الكورتيزول في الدماغ، ممّا يؤدّي إلى مشاكل صحية جسدية وعقلية خطيرة، وفقًا لموقع “نيوز ميديكال”.
الاستخدام الواعي لمواقع التواصل
إذن، كيف يمكنك التأكّد من استهلاك نظام رقمي متوازن؟ ويقترح المتخصّصون بشكل أساسي أن تقوم بتحديد “أولوياتك الرقمية”.
وهذا يعني أن تقوم بتحديد أولوياتك وقيمك من تصفح مواقع الإنترنت، لا أن تستهلك المقاطع والفيديوهات دون وعي أو انتباه لمحتواها ورسائلها الضمنية، ممّا قد يوقعك في فخّ الاضطرابات النفسية بلا إرادة منك على المدى البعيد.
وقد أكّد الخبراء في الدراسة السالف ذكرها أنّ أهم شيء بالنسبة لمستخدمي “تيك توك” أن يدركوا أنّ متابعة أو البحث عن أيّ نوع من المحتوى المتعلق بالطعام أو الجسد أو التمارين الرياضية قد يؤدّي إلى التعرّض غير المقصود للمثاليات المشوّهة للمعايير الجمالية للصحة والجسم، لافتين إلى أنّ تحديد الوقت المستهلك على المنصة وغيرها من المنصات من شأنه أن يحدّ من المخاطر نسبياً.
وبشكل أساسي، من المهم عند استخدام مواقع التواصل طرح أسئلة مثل: ما نوع المحتوى الذي يتماشى مع اهتماماتي وأهدافي وقيمي؟ ومن ثمّ يجب التركيز على استهلاك المحتوى الذي يثري حياتك ويضيف إليها عوضاً عن الانتقاص منها.