الأستاذة الأكاديمية حليمـة قطاي

«القيمة الحقيقية للغة العربية هو بمقدار استخدامها كلغة رسمية»

حاورها: لموشي حمزة

اقتران أي لغة بالدين وحده يسمح بتراجعها ووضعها في متحف اللغات

ترى الأستاذة الشاعرة والأكاديمية حليمة قطاي أستاذة النقد والسيمولوجيا بجامعة يوسف بن خدة الجزائر في حوار مع جريدة «الشعب» أن اللغة الجزائرية تعاني اليوم في عقر دارها، دون تنميق ولا تزويق للحقائق، هناك حرب مستميتة من طرف اللوبي الفرانكفوني داخل هذا البلد، لتهجير هذه اللغة داخل ديارها، وتحميلها كل تخلف وتراجع علمي وتكنولوجي.
تضيف الأستاذة قطاي أنه لا يمكن للغة مهما كانت أصيلة أو ضاربة في أعماق التاريخ والعلوم أن تنال الحظوة حتى وإن تعدد مستعملوها، لأن حياة اللغات بحياة العلم والتداول التكنولوجي لا أن تكون حبيسة الخطب والخطابات، ولا أن تكون لغة غراميات ورومانسيات كما جاء على لسان الراحل هواري بومدين، هذا المشروع الذي بدأه ولا نعرف لماذا لم يستكمل بعده، إن الأزمة عندنا ليست أزمة أفكار ولا مشاريع، إنما هي أزمة متابعة ومواصلة.
«الشعب»: ماذا يعني الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية في الجزائر؟ ألا تظنين أن الأمر لا يتعدى بعض المراسم الروتينية؟
 الأستاذة قطاي: ليست اللغة العربية بحاجة إلى أن يكون لها يوم في أيام السنة العالمية..! هذا شبيه بترسيم ما هو غير موجود أصلا، ورغم تثمين التظاهرة إلا أن القيمة الحقيقية لأي لغة هو بمقدار استخدامها كلغة رسمية عالمية واعتبارها لغة حية، فمهما بلغت اللغات من تأصيل وجذور لها ضاربة في التاريخ العلمي والنهضوي الا أن الواقع لا يعترف إلا باللغة التي تتداول علما وفنا ونشاطا في زمن السرعة، والجديد مع كل جزء من الألف في الثانية! إنها الحقيقة المرة.
- كيف ترين وعي المجتمع الجزائري بأهمية اللغة العربية؟ ومن يتحمّل مسؤولية تراجع حتى لا نقول إهمال أو غياب للغة العربية رسميا وشعبيا؟
* الجماهير الجزائرية تحترم اللغة العربية وأبناؤنا يرضعونها منذ بداياتهم الأولى، يكفي أن الوسائط المختلفة تسعى إلى ذلك كالتلفزة والوسائط المرئية والمسموعة الأخرى ما يعلن عن ضرورة استخدام هذه الأثيريات للتمكين اللغوي، أن علاقة الطفل بالآلة والوسيط بالصورة وبالصوت يسمح بتأثير اللغة عليه أكثر، لكن المشكل هو ليس في الطفل منذ بداياته بالبيت، إذ لا زلت اذكر كيف كانت أمهاتنا تلقنننا المأثورات والمحفوظات داخل البيت، كما يستمعن إلينا ونحن نطالع ويدفعننا إلى ذلك دفعا، وكيف حفظنا ونخن بذور في مشتلة القران الكريم عديد أجزاء المصحف وهو أول مدرسة للغة العربية، كيف قرانا ألف ليلة وليلة بطبعاتها المختلفة، ما لا يمكن أن يفعله أبناء هذا الجيل أبدان الذي صار يحتقر كل ما هو محلي، ويدعو إلى الحرقة والتهجير وحتى لغته.
نعم هو دور البيت، لكن المشكل انتقل الى المدرسة التي تخلت عن دورها تدريجيا ولازلنا لا نعرف السبب، فقد تقلّص عدد ساعات المكتبة والتحفيز على القراءة بحصص المطالعة التي كانت على زمننا حصتان أسبوعيتان وما ذاك ببعيد، لست أفهم إلى الآن لماذا تراجع دور المدرسة رغم أن اللغة العربية هي اللغة الوطنية الأولى دستوريا، الخلل إذن مكمنه في طريقة التعامل بهذه اللغة إنه لزاما على المتمدرس بالجامعة أن يلغي أحد اللغتين، فإذا كان معربا حذف استخدام بقية اللغات وإن كان مفرنسا وهو السائد ضاعت لغته العربية.
- ما هو دور المؤسسات الرسمية في حماية اللغة العربية ومن هي الجهات الثقافية بالجزائر المسؤولة عن ذلك؟
* هيبة اللغة العربية ليست في يوم عالمي  يقام لها رغم تثمين هذا الحدث خاصة في مجال الترجمة، إذ يعد مكسبا ترجمة الأصول والتقارير الكبرى الى اللغة العربية من طرف اليونسكو، لكن مكمن الخلل مرده إلى أن قيمة الشيء يكون داخل البيت ولا يجيء من خارجه، أن الشعب الهندي مثلا لا يستخدم لغته ويتفاعل باللغة الإنجليزية لأنها لغة العلم، إنه التثمين الحقيقي، الخلل في منظومة الفكر العربي ونظم التواصل لديه بين بيوتات السياسة وقراراتها وبين دور العلم والمؤسسات الدينية.
 اقتران أي لغة بالدين وحده يسمح بتراجعها ووضعها في متحف اللغات، إنها الحقيقة التي لابد من أن نعترف بها.
- نحن في حاجة لمعرفة لغة الآخر للإطلاع على ثقافته والتطور، فلماذا كل هذا التخوف من اللغات الأخرى على لغتنا الأم؟
* لا، الإشكال لا يكمن في اجتياح اللغات للغة الأم لأن هذا يعتبر ضرورة عصرية، إنما التفاعل لم يعد متاحا باللغة العربية، حتى في دورها الأصلية وأضرب لك مثالا بالجامعة ، فالطالب المتخصص باللغة العربية يجهل من أصولها الكثير، ولا يطيق التعامل بها، بل ولا يستطيع، الأمر أشبه بالمعمرة اللغوية داخل البيت، لقد شاعت لغة الانترنت والفليكسي (نسبة للسرعة)، حتى أنك لا تستطيع أن تطلب من طالب الحديث داخل حصة الدرس باللغة الفصحى، وكأنك تحدثه من زمن لآخر، أوكأن الكوكبين مختلفان.. !
- من وجهة نظرك، ما هي العلاقة بين الأمن الثقافي والأمن القوي؟
*  نخن مهددون بالدخيل وبتخلفنا الواضح، مرتبة اللغة العربية بين اللغات العشر الأكثر استخداما على الانترنت والتعامل الشبكي هي السابعة وهي مهزلة بالنسبة للغة لها تراثها العلمي والحضاري البالغ كما أعلنت اليونسكو، المهم أنا أثمن كثيرا تظاهرة (تحدي القراءة العربي) التي أصدرتها دولة الإمارات العربية المتحدة لقراءة 50 مليون كتاب عربيا، وأعتقد أن هذا هو المطلوب، التحفيز على القراءة بالمسابقات والتظاهرات التفاعلية، لا تظاهرة قسنطينة، التي لا أدري ما الذي أضافته بالضبط علميا وثقافيا مع ما أخبرتك به.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024