هكذا أسهمت الدراسات ما بعد الكولونيالية في محاربة الهيمنة الثقافية
نظّم المركز الوطني للكتاب بالمكتبة الوطنية الجزائرية، على مدار يومين، ملتقى وطنيا بعنوان “أدب المقاومة في الجزائر..الثقافة في مواجهة الخطاب الكولونيالي”، تناول فيه المشاركون الدراسات ما بعد الكولونيالية في الخطاب الأدبي ودورها في تفكيك الخطاب الاستعماري، ومقاومة العولمة والهيمنة الثقافية الغربية.
أفاد المدير المركزي للكتاب لدى وزارة الثقافة والفنون، تامة التيجاني، في كلمته بالمناسبة، أن الخطاب الثقافي يعد من أهم روافد الثورة والتحرر، كونه يتصل مباشرة بالذاكرة الوطنية التي أولاها رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون اهتماما خاصا، من خلال ترسيم يوم وطني للذاكرة، حفاظا على الهوية وربط الأجيال الجديدة بمقوماتها الثقافية والحضارية، مشيرا إلى أن الملتقى جاء ليبين دور الثقافة في مواجهة الخطاب الكولونيالي لاتخاذه أشكالا جديدة في الطرح، مبرزا وضوح معالمه فيما يسمى بأمراض الحرب الجديدة على الشعوب، ولاسيما المستعمرات القديمة منها، وذلك لقراءة الواقع وبحث الآليات المعرفية لتعزيز فكرة الممانعة والمقاومة وصون الذاكرة.
واستعرض مدير المركز جمال يحياوي، الرؤية الفكرية للملتقى وأهدافه، لافتا إلى أنه جاء بهدف العودة إلى المرحلة التاريخية للتركيز على ما بعد الاستقلال، من خلال الترويج للأفكار في مختلف المجالات، مؤكدا أن هذا الموضوع سيكون بداية لملتقيات وندوات مستقبلية يشارك فيها العديد من الدكاترة والأساتذة.
كما شدّد في حديثه على أن الجزائر هي الدولة التي واجهت أكبر مستعمر، وعاشت أصعب المراحل سواء بالنسبة لدول افريقيا أو دول آسيا، داعيا بذلك إلى التكاتف للتحضير لهذا الملتقى سواء من طرف اطارات الوزارة أو مدير المكتبة الوطنية والأساتذة لإثراء هذا الموضوع المهم بأبعاده الواسعة.
من جانبه قدّم حبيب مونسي من جامعة جيلالي اليابس بسيدي بلعباس، مداخلة افتتاحية بعنوان “ميسم الخطاب الكولونيالي وآثاره الاستعمارية في ثقافة الشعوب ووعيها الحضاري”، حيث تناولت التأثيرات العميقة للخطاب الكولونيالي على الوعي الثقافي للشعوب، تلا ذلك العديد من الجلسات العلمية التي تطرقت لمواضيع متنوعة في الأدب الجزائري والمقاومة الثقافية للاستعمار.
وقد ترأّس الجلسة العلمية الأولى عبد الحميد هيمة من جامعة قاصدي مرباح بورقلة، والتي تناولت موضوعات مختلفة، على غرار “الخطاب الكولونيالي في كتابات أبو القاسم سعد الله وسعدي بزيان”، قدّمها الدكتور محمد زمري من جامعة تلمسان، حلّل خلالها أبعاد المقاومة في أعمال هذين المؤرخين البارزين.
كما عرض مولود عويمر من جامعة الجزائر 2 في مداخلته “نقد العقل الاستعماري في كتابات محرري جريدة Le Jeune Musulman”، مشيرا إلى تأثيرات الفكر الاستعماري في الصحافة الجزائرية في فترة الاستعمار. واختتم وحيد بن بوعزيز من جامعة الجزائر 2 الجلسة بمداخلة حول “معالم ديكولونيالية في الفكر الجزائري المعاصر”، استعرض خلالها أهم المواقف الفكرية المضادة للاستعمار في كتابات الشخصيات الجزائرية الكبرى مثل الأمير عبد القادر ومالك بن نبي.
أما الجلسة الثانية، فترأّسها دحو حسين من جامعة قاصدي مرباح بورقلة، وناقشت موضوعات أخرى مثل “الأدب الجزائري والمقاومة الثقافية للاستعمار” التي قدّمها علي خفيف من جامعة عنابة، و«الثقافة الجزائرية: ذلك الواحد المتعدد، قراءة في روايات السبعينيات” لعبد الجليل منقور من جامعة عين تموشنت.
كما تناول الطيب بودربالة من جامعة باتنة “ثقافة المقاومة من خلال السرديات الجزائرية”، بينما عرض علي ملاحي من جامعة الجزائر 2 موضوع “الإيقاع الثقافي المقاوم للنزعة الكولونيالية في تجارب الشعر الجزائري المعاصر”.
وشهد اليوم الثاني من الملتقى، جلسات علمية مكثفة، حيث ترأّس سعيد بن زرقة أستاذ بالمدرسة العليا للأساتذة ببوزريعة الجلسة الثالثة، والتي شملت مداخلات مثل “صورة المقاومة في رواية مرجاجو..شظايا وندوب” لبن شارف حميدي، قدمها الدكتور عبد الحميد بورايو من جامعة الجزائر 2، و«الرواية فعل مقاوم: قراءة في نماذج عربية” لعز الدين جلاوجي من جامعة البشير الإبراهيمي برج بوعريريج، و«محكي الموت في الخطاب الروائي ما بعد الكولونيالية، الرواية الجزائرية أنموذجا” من تقديم أمال رشداوي من جامعة الجزائر 2.
أما الجلسة الرابعة فترأسها محمد مرتاض من جامعة أبو بكر بلقايد بتلمسان، وناقشت “أدب المقاومة في الأدب الجزائري الموجه للأطفال” للأستاذ العيد جلولي من جامعة قاصدي مرباح ورقلة، و«مقاربة ثقافية في خطاب المنجز المعرفي ما بعد الكولونيالي، مدونة أزراج عمر أنموذجا” قدمتها نبيلة منادي من جامعة لمين دباغين سطيف 2.
واختُتم الملتقى بالتأكيد على أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار، وأثره العميق في إثراء الثقافة الوطنية وتعزيز الهوية الجزائرية.