❊ تعزيز الفاعليّة التصديرية غير النفطية للجزائر في الأسواق الدولية
يكتسي مشروع منجم الفوسفات في بلاد الحدبة بتبسة، الذي افتتحه وزير الطاقة والمناجم محمد عرقاب، مؤخراً، أهميته إستراتيجية، باعتباره مشروعا اقتصاديا خارج قطاع المحروقات، سيعزّز من الفاعليّة التصديرية غير النفطية للجزائر في الأسواق الدولية.
أكّد أستاذ التعدين وهندسة المواد بجامعة عباس لغرور بخنشلة، البروفيسور فلاح مأمون، أنّ مشروع منجم الفوسفات ببلاد الحدبة بولاية تبسة، سيجعل من الجزائر أحد أهم البلدان المنتجة والمصدرة للأسمدة في العالم؛ كونه يشمل التحويل الكيميائي للفوسفات بواد الكبريت بسوق أهراس، وصناعة الأسمدة بحجر السود في ولاية سكيكدة.
وأوضح مأمون في تصريح خصّ به “الشعب”، أنّ الدولة تبذل جهودا لإنجاز خطوط سكك حديدية منجمية لنقل الخامات المستخرجة عبر مقاطع يزيد طولها عن 400 كلم، وتواصل العمل بسرعة لبدء الإنتاج في هذا المنجم الضّخم.
وبالنظر إلى أهمية المشروع من الناحية التنموية، أبرز محدّثنا أنّ التوجيهات الرئاسية انصبّت على ضرورة الاستفادة من الثروات المعدنية للجزائر، في حين أولت وزارة الطاقة والمناجم أهمية كبيرة لملف الثروات المعدنية خاصة مناجم الفوسفات مثل منجم بلاد الحدبة.
وأضاف مأمون أنّ هذا المشروع سيقدِّم نقلة نوعية للاقتصاد الوطني والصناعة المنجمة لأهميته البالغة، حيث يمر عبر 3 ولايات وهي تبسة وسوق أهراس وعنابة، انطلاقا من منجم بلاد الحدبة الذي يحتوي على مخزون هام من الفوسفات الخام بالإمكان استغلاله لأزيد من 80 سنة، ويفوق احتياطه 1.200 مليون طن منه أكثر من 800 مليون طن قابلة للاستغلال.
كما تكمن أهمية مشروع منجم الفوسفات بمنطقة بلاد الحدبة في صناعة الأسمدة الفوسفاتية والآزوتية للإسهام في تحقيق الاكتفاء الغذائي للبلاد، حيث إنه يندرج ضمن إستراتيجية الدولة لتحقيق الأمن الغذائي، التي تعمل حاليا على استحداث عدد هائل من المحيطات الفلاحية تتطلب تخصيص كميات هامة جدا من الأسمدة لتخصيب وتحضير الأتربة، بحسب قوله.
مشــــــروع بأيــــــادٍ جزائريـــــة
كشف البروفيسور مأمون أنّ مشروع منجم الفوسفات ببلاد الحدبة سيُنجز بأيادٍ جزائرية مائة في المائة، وبمؤهلات وطنية بحتة، يأتي على رأسها مجمّعي “سوناطراك” و«سوناريم” مدعومة بإطارات من الجامعة الجزائرية، وهذه التركيبة تطمئن بخصوص ضمان السّير الحسن لإنجاز المشروع الذي سيستمر على مدار سنتين، قبل الانطلاق في استغلاله الفعلي مطلع سنة 2027، تنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، على أن يتمّ إنتاج 6 ملايين طن من الفوسفات الخام ببلاد الحدبة، و5 ملايين طن من الأسمدة بوادي الكبريت في سوق أهراس ضمن إطار تحضير الأتربة لتحقيق الأمن الغذائي الوطني.
واعتبر الخبير ذاته، أنّ تجسيد المشروع خطوة إستراتيجية بارزة على المستويين الاقتصادي والصناعي في الجزائر؛ لأنه جاء في وقت حاسم تسعى فيه السلطات العمومية إلى تنويع الاقتصاد الوطني، وتقليل الاعتماد التقليدي على قطاع المحروقات، ممّا سيعزّز من القدرة التنافسية للجزائر على المستويين الإقليمي والدولي.
تنويـــــع الإقتصــــاد الوطنــــي
يرى الأستاذ مأمون أنّ منجم الفوسفات الجديد ببلاد الحدبة من المشاريع الإستراتيجية الكبرى المساهمة في تعزيز تنوّع الاقتصاد الوطني بعيدًا عن قطاع المحروقات، ويساعد كغيره من المشاريع على التّخلص من بوتقة الإعتماد على صادرات النفط والغاز بشكل أساسي، التي كانت على مدى عقود من الزمن سياسة اقتصادية للجزائر، جعلتها عرضة لتقلبات أسعار الطاقة في الأسواق الدولية.
فضلا عن ذلك، يأتي هذا المشروع ليعكس التّوجّه نحو تحقيق استقلال اقتصادي وتنمية مستدامة، حيث يمكن أن يلعب الفوسفات دورًا كبيرًا في زيادة إيرادات الدولة من خلال تصدير مادة إستراتيجية تُستخدم في الصناعات الزراعية والصناعات الكيميائية على مستوى العالم.
وتوقّع الباحث مساهمة هذا المشروع في خلق آلاف فرص العمل، ممّا سيعزّز التنمية المحلية ويقلل من معدلات البطالة، معتبرا الجانب الاجتماعي لهذا المنجم حيوياً بغية تحسين الظروف المعيشية للسكان المحليين.
تمكـــــــين الجزائـــــــــر دوليـــــــا
يعتقد البروفيسور فلاح مأمون، أنّ تدشين منجم الفوسفات في بلاد الحدبة بولاية تبسة، من شأنه التمكين من حضور الجزائر في الأسواق الدولية من أجل تلبية احتياجات السوق العالمية في ظل تزايد الطلب على الأسمدة الفوسفاتية، ويمكن أن تلعب دورًا رئيسيًا من خلال هذا المنجم في تلبية الطلبات، مشيرا إلى إسهام ذلك في زيادة صادرات الجزائر إلى الأسواق العالمية، وترسيخ مكانتها كدولة مصدّرة وفاعلة.
وفي جانب التعاون الدولي والاستثمارات الخارجية، لفت محدّثنا، إلى احتمالية جذب هذا المشروع لاستثمارات أجنبية، وتعزيز الشّرَاكات مع مؤسسات دولية متخصصة في مجالات التعدين وإنتاج الأسمدة، وهو ما سيساهم في نقل التكنولوجيا والخبرات، ويرفع من القدرة الإنتاجية والتنافسية للجزائر على الساحة الدولية.
تدشين مشروع منجم الفوسفات ببلاد الحدبة يعتبر خطوة إستراتيجية معززة لاستدامة الاقتصاد الجزائري، ويفتح آفاقًا جديدة لتنويع مصادر الدخل الوطني، تترجم التزام الجزائر بتعزيز مكانتها الاقتصادية على المستوى الدولي، وتؤكّد قدرتها على التّكيّف بشكل إيجابي مع المتغيرات العالمية لاسيما في أسواق المعادن والطاقة، يختم أستاذ التعدين وهندسة المواد بجامعة عباس لغرور البروفيسور فلاح مأمون.