“حوريــــــات” تفضـــــح الجريمـــــة وتعـــــــرّي مــــــؤامرة انتحـــــال صفــــــة الضحيـــــة عربـــــــان
أعلنت المحامية فاطمة الزهراء بن براهم عن رفع دعوى قضائية أمام محكمة وهران ضد الكاتب كمال داود، بسبب استغلاله في كتابه الأخير “حوريات” لقصة حياة “سعادة عربان” دون إذنها، وتعدّيه على قيم وذاكرة الشعب الجزائري.
أكّدت بن براهم خلال ندوة صحفية، أنّ سبب رفع الدعوى يعود إلى ما وصفته “باستغلال” الكاتب لقضية السيدة عربان، حيث “سرق تفاصيل مأساة موكلتها وقصتها وكلامها ونشر رواية “حوريات” دون موافقتها، ودون أي اعتبار لمعاناتها وما سببه لها ذلك من ألم”.
وأشارت المحامية إلى أن هذه القضية أصبحت قضية رأي عام، قائلة: “بعد قراءتي للكتاب استخلصت أنه استخدم ضمير أنا، وتقمّص شخصية المرأة صاحبة القصة، لقد سرق حياتها وتاريخها وأوجاعها، وأقحمها في مشكلات سياسية سعيا لإرضاء أولئك الذين يريدون قراءة كتبه”.
وأضافت أنّ: “أخلاقيات الكتابة تقول لا يمكن تأليف كتاب على حساب أوجاع الآخرين، وهذا ما قام به كمال داود، لقد بنى نجاحه على تعاسة هذه المرأة وأوجاعها، لقد تحدّث في مكانها ومسح شخصيتها”، مؤكدة أن النجاح الأدبي الذي حققه المعني وفوزه مؤخرا بجائزة “غونكور” الفرنسية “كان على حساب مأساة الكثيرين”.
ولفتت ذات المتحدثة إلى أنّ قضية الحال والشكوى المودعة بحر الأسبوع الجاري لدى ذات الهيئة القضائية، تخص أيضا زوجة الكاتب التي كانت الطبيبة المشرفة على الوضع النفسي للضحية عربان، مؤكّدة أن المتهمة “استغلت التفاصيل التي أخذتها من السيدة عربان وزوّدت بها زوجها، ما جعله ينقل حكايتها بكل تفاصيلها لكن دون ذكر الاسم فقط”، قائلة “رفعنا القضية ضد داود وزوجته باعتبارهما شركاء في القضية”، علما أن زوجة الكاتب أخصائية نفسانية كانت تتابع حالة سعادة التي تعرضت زمن العشرية السوداء إلى اعتداء لكنها نجت من الموت بأعجوبة.
وفي السياق ذاته، أكّدت السيدة بن براهم أن “الإفشاء والكشف عن التفاصيل المتعلقة بالوضع الصحي للضحية، أمر يعاقب عليه القانون باعتباره سرا مهنيا، كما أنه يمس أيضا بأخلاقيات المهنة”، موضحة أن الضحية “رفضت وبشكل قاطع في وقت سابق طلبا للمعنيين بنشر ما تعرّضت له في مؤلف أدبي أو بأي شكل من الأشكال الأخرى”.
سأمضــي فــي الإجــــراءات اللاّزمـــــــة
وقالت بن براهم: “داود كتب روايته في الجزائر ونشرها في فرنسا”، مبدية استغرابها من سلوك الروائي المتناقض بقولها: “يريدنا أن ننسى حربا استعمارية شنيعة على بلادنا دامت 132 سنة، وفي نفس الوقت يريد تسليط الضوء على العشرية السوداء ويسميها حربا أهلية”. وأشارت بن براهم إلى أن كمال داود من خلال كتابه يريد إظهار ذاكرة لإخفاء أخرى، “يريد أن يجعل من العشرية السوداء وضحايا الإرهاب في الجزائر واجهة لإخفاء ضحايا حرب الاستعمار، ومحو ذاكرة شعب عانى من ويلات الاحتلال، حارب فرنسا وضحّى بكل شيء من أجل استرجاع سيادته”، تقول بن براهم.
ولفتت المحامية إلى أنها “أودعت شكوى لدى ذات المحكمة باسم مفقودي الإرهاب والمنظمة الوطنية لضحايا الإرهاب، ممثلة في السيدة زهرة فليسي”، وأكدت السيدة بن براهم أن الكاتب “حاول وبأسلوب دنيء تشويه صورة الجزائر وقيمها النبيلة، والمساس بتاريخ شعب كامل وبذاكرته، واستغلاله للقصة الشخصية للضحية سعادة عربان، ودون إذن منها، كان الدليل على تلك المحاولة البائسة”.
وعادت المحامية بن براهم إلى جانب من تفاصيل الدعوى التي ينظر فيها حاليا قاضي التحقيق لدى محكمة وهران، والذي - كما قالت - أودعت لديها قضيتين حول نفس الكتاب، عن تهم عدة من بينها “المساس بالحياة الشخصية للأفراد” و«الكتابة بدون إذن صاحب الواقعة”.
وخلال حديثها عن رفع الدعوى القضائية بالجزائر، وليس بفرنسا، أوضحت المحامية أن “الأمر يتعلق بوقائع حدثت في الجزائر، وأن الكاتب لا يزال يحمل الجنسية الجزائرية بالرغم من أنه مُنِح مؤخرا، الجنسية الفرنسية هو وعائلته”.
ومن بين الإساءات التي يحملها هذا الكتاب للذاكرة الوطنية - حسب بن براهم - المقطع الذي تحدّث فيه عن أمّ البطلة التي تركت أمام مسجد كتشاوة، وأن المصلين مرّوا بجوارها من دون أن يهتموا لحالها، في محاولة منه بعث صورة لا إنسانية عن الرجل الجزائري المسلم، في وقت أن مسجد كتشاوة كان ما زال كنيسة وقت الاستعمار.
وأكّدت المحامية بن براهم على أنها ستمضي في “كل الإجراءات اللازمة من أجل الرد على الأكاذيب والتدليس الذي ورد في كتاب حاول تشويه صورة المرأة الجزائرية، وتضمن إساءات أضرت بالضحية وبعائلتها والمقربين منها، علاوة على ضحايا مأساة الإرهاب”، مشيرة إلى أن “عديد الجمعيات الممثلة للمجتمع المدني اتصلت بها لرفع قضايا ضد الكاتب عن تهم الإساءة وتدليس الوقائع”.
وعن الدار التي نشرت الرواية، قالت الأستاذة بن براهم أنها تفضل أن “ترجح” عدم إدراك دار النشر التي أصدرت الكتاب أن القصة لم تكن من وحي خيال الكاتب، كما يتطلبه مبدأ الفوز بجائزة “غونكور” الفرنسية، بل كانت مستوحاة من “قصة حقيقية”.
واستدلت في ذلك بعديد التفاصيل التي قالت إنها “تشكل أدلة ستستغل في ملف القضية، على غرار الوشم الموجود على ظهر عربان، والإصابة الواضحة التي تحملها الضحية في رقبتها نتيجة محاولات الذبح التي تعرضت لها، والتي كانت نفسها في القصة التي ذكرها داود في كتابه، إضافة إلى جهاز إبراز الصوت الذي تحمله عربان، ناهيك عن توقيعه الشخصي في نفس الكتاب الذي قام بإهدائه إياها بخط يده، إضافة إلى تفاصيل أخرى”.
واعتبرت المحامية أن سحب الجائزة التي “تحصل عليها كمال داود والتي لم يستحقها أساسا، سيكون بمثابة استرداد حق مسلوب للضحية”، علما أن من شروط جائزة “غونكور” أن تكون القصة وهمية وليس واقعية، ولا تمس بكرامة وشرف الأشخاص أحياء كانوا أم أمواتا، وهذا ما لم يحترمه داود حسب - بن براهم - ودعت الكاتب وبشكل مباشر الكاتب كمال داود للرد على ما وجهت إليه من وقائع، قائلة: “يمكنك الحضور ومواجهة السيدة سعادة عربان وجها لوجه، والقول إنك لم تستغل قصتها”.
وفي ختام حديثها، قالت المحامية فاطمة بن براهم إن “النيابة قبلت الشكوى، وسيتم استدعاؤنا ربما الأسبوع المقبل لتأكيد الدعوى”، مشيرة إلى أنه سيتم استدعاء كمال داود وزوجته من مقر إقامتهما المعروف في وهران، وفي حالة عدم الحضور سيُحكم عليه غيابيا، ولا يمكن أن يدعي أنه لم يسمع بالقضية مع كل هذه الضجة.
مؤلّــــف “حوريـــــات” لم يحـرّك ساكنـــا
من جهته، لم يرد الرّوائي كمال داود إلى حد الآن على الاتهامات التي طالته، وكتب الصحفي ومخرج الوثائقيات الجزائري محمد زاوي بحسابه على “فيسبوك”، تفاصيل مبادلة جرت بينه وبين داود بمعهد العالم العربي بباريس، حيث نزل الأديب ضيفا للمشاركة في ندوة حول روايته، فقال بأنه سأله عن موقفه من التهمة التي تثير جدلا حادا منذ أسبوع، “فكانت إجابة كمال داود: كنت أنتظرك!”.
وعبّر زاوي المقيم بفرنسا، منذ سنوات طويلة، عن “دهشته”، حسبه، من رد داود “فنحن لا نعرف بعضنا البعض، حتى يقول لي كنت أنتظرك، لماذا قال لي إنه كان ينتظرني؟!..لم أفهم رده!”.
وأضاف الصحفي: “بعدها بقى جالسا ولم يجب، لكن منشط الندوة قال لي بطريقة أبوية، إنه ليس الإطار للحديث عن هذا الموضوع. تركته ينهي حديثه وتوجهت إلى كمال داود: أنت تقول إنك الوحيد الذي كتبت رواية عن العشرية السوداء، وأن كل وسائل الإعلام تقول إنك الوحيد الذي قام بهذا، وأنه ليس باستطاعة الكتاب الجزائريين النشر عن هذه الحقبة، بينما الحقيقة أن عشرات الروايات صدرت عن هذه التراجيديا، وأنه لا يوجد كاتب واحد منع في الجزائر من التأليف حول هذه الحقبة، حتى وإن صدرت قوانين في فترة الرئيس السابق”.
ووفق المخرج الجزائري، لم يحرك مؤلف “حوريات” ساكنا، مؤكدا أنه “كان غير مبال بما أقول”. وتابع يسرد مجريات القصة: “في نهاية الجلسة انتظرته وسألته: داود، هناك اتهامات ضدك ماذا ترد عليها حتى تقول الحقيقة للرأي العام؟”.
وأوضح زاوي بأن كمال داود لم يعر أي اهتمام لسؤاله “واستمر في التوقيع على روايته، لقراء كانوا يتهافتون على توقيعه”. وظهر الصحفي متمسّكا بطرح سؤاله، “قلت له ربما يمكن أن نحدّد موعدا، وتجيب على أسئلتي في راحة، فرد علي: لا أستطيع أجندتي “سيرشارج” (شديدة الازدحام)، سكت وقال لي: “العدالة هي التي ستفصل”، يقصد ربما، أنه رفع دعوى قضائية ضد سعادة عربان التي أدلت بشهادتها لقناة “وان تي في”.