قاد حركة الاصلاح قبل العلاّمة بن باديس

الشّيخ عمر بن قدور الصّحفي والمفكّر الشّهير

الأستاذ عبد القادر حمداوي

من أعلام الجزائر ما أحوجنا إليهم في مختلف الأزمة، نتعرّف على أفكارهم، ما كانوا يتّصفون به من أخلاق عالية وبثقافة واسعة رصينة. ما أحوجنا إليهم، التذكير بالحقائق والوقائع التي هي جميع الآثار التي خلّفتها عقول السلف بأيديهم، وإذا ضاعت ضاع التاريخ معها. إنّهم رموز بلادنا وأعلامها منهم الشيخ عمر بن قدور الصحفي والمفكر الذي نقف عنده في صفحتنا “أعلام الجزائر”.
 نحن في حاجة إلى أعلام الجزائر في مختلف الأزمة للتعرف عليهم بما كانوا يتصفون به من أخلاق عالية وبثقافة واسعة رصينة، وهذا التذكير بالحقائق والوقائع التي هي جميع الآثار التي خلفتها عقول السلف بأيديهم، وإذا ضاعت ضاع التاريخ معها  نحن في حاجة ماسة إلى رموز بلادنا وأعلامها.
ولد الشيخ عمر بن قدور سنة 1886م بالجزائر العاصمة في أسرة محافظة ومتواضعة ومتديّنة، فهو الصّحفي القدير والمفكّر الشّهير، وحرمت العائلة من أرض البور واستغلال ممتلكاتهم الغابية.
تدريس معالم الدين الإسلامي في سنّ مبكّر
دخل عمر الكتاب في سن مبكر، وحفظ ما تيسّر من القرآن الكريم، حرص والده على تمكينه من تعليم مبادئ اللغة العربية والفقه وتدريس معالم الدين الإسلامي، تهيأ للدارسة بالنقاء والطهارة إلى أن تضافرت جهود الأسرة ووفرت له الإمكانيات، حيث التحق بجامع الزيتونة قصد الحصول على العلوم والمعرفة.
وهناك استفاد من النشاط الإعلامي والثقافي التي كانت تزخر به تونس، وبدأت خطواته الأولى في الكتابة مستعملا أعمدة ‘’التقدم’’ واللواء والقاهرة والحضارة والتعرف بقضايا الشعب الجزائري، والتشهير بالتعذيب الاستعماري. كان لهذا العمل الفعّال تأثير بالغ في الرأي العام العربي على الإدارة الكولونيالية.
كما حثّ الشّعب الجزائري على رفض الأمر الواقع، والاستعداد للثورة قصد التخلص من الهيمنة الاستعمارية،وكان يوضّح أن لا ينخدع بالضعف والاستكانة للظلم والنكر، فلابد من شجاعة في مواجهة الشدائد على درب النضال من أجل مقاومة الجور. وقد أثرت هذه المقالات المتعددة في المجتمع، فتم استدعاءه من قبل الوالي العام الفرنسي، هدده وداعيا إياه للتوقف عن تشويه صورة فرنسا بالجزائر.
توقّف عن الكتابة مدة واختفت آراؤه  وأفكاره لأنّها كانت تؤجّج نار الثّورة في نفوس الجزائريّين.
في هذه الفترة بالذات وجّهت رسالة إلى صديقه عمر راسم من السلطات الفرنسية بتاريخ 29 / 12 / 1907، وقد شجّعته على تجاوز أوامر الوالي العام، فاشحذ قلمه من جديد وكتب على أعمدة التقدم يؤازر عمر راسم ويدعو المثقّفين والسياسيين الجزائريين إلى تحمل مسؤوليتهم الوطنية من اجل “تنفيذ ما يروج له الاستعمار من دسائس وما يحيكه من مؤامرات”.
ولقد كتب في هذا الصدد يوم 23 /01 / 1907: ‘’ما لمصر تقدّمت، وما لتونس تفقّهت وما لسائر بلاد الإسلام تفقّهت ورجال الجزائر الذين عليهم اعتماد الأمة هم في سبات عميق’’، لا صحافة ترشدهم، وظل العطاء متواصلا طيلة سنتي 1908 و1909. بالنسبة لعمر بن قدور فإنّ سنة 1908 قد تميّزت بتولّيه رئاسة تحرير القسم العربي لجريدة “الأخبار”، التي كان يديرها ويشرف عليها صاحبها ‘’فكطور بروكندا’’.
أفضل الصّحافيّين فكرا وأسلوبا
 يذكر أنّ عمر بن قدور كان أفضل الصحافيين الجزائرين فكرا وأسلوبا، خصّص جزءًا كبيرا من مساحة الجريدة لخدمة التربية والتعليم باعتبارها أساس النهضة العلمية الكفيلة بإعطاء الأجيال الصاعدة السلاح اللازم لقهر المظالم والتطور والازدهار.
ألقي عليه القبض من طرف سلطات الاحتلال سنة 1915، وحاكمته بتهمة ‘’العمالة’’، وأصدرت ضده حكما بالسجن ثم قررت نفيه إلى مدينة الأغواط.
يعتبر عمر بن قدور من روّاد الصّحافة العربية في الجزائر، أنشأ عدة صحف أهمها وأشهرها جريدة “الفاروق’’، غير أن أثر الرجل وصداه بقي لجرأته وطموحه، وهو الرجل الذي دخل عصره بآرائه وأفكاره التي تضمّنت الكثير من الاقتراحات والتصورات.
كان حقّا شاعرا وصحفيا رائدا من أبرز علماء الإصلاح الديني والاجتماعي في عهد الاستعمار الفرنسي.
أنشأ جريدة ‘’الفاروق’’ سنة 1913م،وشارك بمقالات كثيرة في جرائد مختلفة. وفي سنة 1914 نفاه الاستعمار الفرنسي إلى مدينة الاغواط وأغلق جريدته، فقضى هناك فترة وبعد عودته من منفاه أعاد بعث الجريدة من جديد في سنة 1924 وشارك مع محمد بن بكير في إصدار جريدة “الصديق”.
اعتزل النشاط الصحفي ومال إلى العزلة والتصوف، قال عنه المؤرخ فليب دي طرازي في كتابة تاريخ الصحافة العربية الجزء 4: “يعدّ هذا الأديب من أكبر الصّحافيّين من المغرب الأوسط وألّف أثناء إقامته بمدينة الأغواط ما بين سنة 1914 و 1917 دافع فيه عن الطريقة التيجانية”، نشرته دار البصائر / الجزائر في أزيد من 300 صفحة تحقيق الدكتور عبد الحليم بيش، كما كتب في جرائد كثيرة ومختلفة.
كان قلمه سيال وفكره ثاقب ووجدانه الطاهر، ونيته الخالصة وإيمانه الصحيح، وعلمه المصحوب بالتوفيق مع الغيرة المتدفقة على الوطن والدين. كتب أعمدة في جرائد وصحف الشرق الكبير بمصر، سوريا، تونس وتركيا.
كان قطبا من أقطاب الشمال الإفريقي، يكتسي الاعلام أهمية كثيرة من أجل مواجهة العدو في المراحل الحالية، فالإعلام اليوم يشبه الأسلحة وعندما نتعرض للهجوم يجب علينا الرد من خلال الدفاع والقيام بأعمال على مستوى سياسة الاتصال.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024