كان الموعد، أول أمس، السهرة الرابعة من عمر المهرجان الدولي للرقص المعاصر، الذي ما زال يستقطب جمهورا مواظبا على حضور أهم العروض المقترحة. وشهدت هذه السهرة مرور فرق قادمة من سيدي بلعباس، عين الدفلى، كرواتيا وفرنسا، فيما افتتح العروض، كالعادة، واحدة من اللوحات المميزة التي يقترحها الباليه الوطني الجزائري. وكانت حصيلة هذه السهرة، بحسب العموم والمختصين، المستوى الرفيع الذي تميزت به الأعمال الفنية المقترحة على زوار المسرح الوطني «محيي الدين بشطارزي».
ولعلّ ما أثار انتباهنا الجمهور الغفير الذي تنقل لمتابعة العروض، ويبدو أنه صار متعودا على هذا الموعد الثقافي الدولي، وهناك من يداوم على حضور السهرات منذ سنوات، وهو ما أكده لنا بعض ممّن إلتقيناهم بعين المكان، وحضورهم المتعدد سمح لهم بالمقارنة بين مختلف الطبعات، والتأكيد على تحسن المستوى من سنة إلى أخرى.
قيمة الحرية في عرض فرقة «كا.أم» من عين الدفلى
من جهتها، أمتعت فرقة الرقص المعاصر «كا.أم» من عين الدفلى جمهور المهرجان الدولي للرقص المعاصر بمولود جديد تأسس بمدينة خميس مليانة، لذلك جاءت التسمية مختصرة بأحرف تعبر عن هذه المدينة العريقة. وحمل العرض عنوان «كن حرا»، وقدم حالات نفسية تحررية ودعوات للانعتاق من قيود الحياة التي تواجه جيلا يرفض التعامل مع تقاليد لم يصنعها بنفسه، ولا يؤمن ببعضها، لأنه لا يفهمها ويرى فيها قيودا.
وكان أعضاء الفرقة الستة، من ضمنهم راقصة، يبحثون على التناغم والتزامن في عرضهم، موظفين كثيرا من الرمزية المستوحاة من عالم المسرح، على رأسها رمزية الكتاب والأوراق، كدليل على نوع من المعرفة أو ضرب من ضروب تحرر العقل والروح، هذه الأخيرة تجسدت في صرخة أحد الراقصين وفي الارتقاء به إلى أعلى.. عرض قابله تصفيق وإعجاب كبير من لدن الجمهور.. وخلال لقائنا بأعضاء الفرقة، أخبرونا كيف أنهم يطمحون إلى مساعدة أكبر ليقدموا عروضا أحسن في المستقبل، خاصة وأنهم يطمحون إلى بلوغ أعلى مراتب الاحترافية في مجال الرقص المعاصر.
ويحدثنا المشرف على الفرقة، طرشون خالد، يقول: «نشارك لأول مرة بهذه الفرقة الجديدة، لكن الجميع يملك الخبرة فهذه مشاركتنا السادسة، وحتى بقية الأعضاء كانوا قد شاركوا معنا في طبعة 2011، وعادوا من جديد بتتويجنا العام الفارط بجائزة لجنة التحكيم».
سيدي بلعباس حــــاضرة بـ«ستار أب»
أما ممثلة سيدي بلعباس فقدمت عرضا بعنوان: «لا شيء» قام بتصميمه أسامة شحرور.. وعلى وقع إنارة خافتة وفي هدوء سرعان ما ترتفع فيه أصوات الموسيقى العصرية، قدمت فرقة «ستار أب» عرضا حاكى الإرادة وشكل العزيمة وقدم ضرورة تحدي الصعاب للوصول إلى الحقيقة الحلم. وكان العرض بصريا بامتياز.
وقال أسامة شحرور رئيس فرقة «ستار أب» إن هذه الأخيرة استفادت من الورشات والتربصات التي خصّصها المهرجان بمعهد برج الكيفان، رفقة الأساتذة المختصين من بريطانيا والمالي وكينيا، وهو ما أضاف لهم الكثير من المعارف ومفاتيح الرقص المعاصر.
كرواتيا تنقل أجواء السيرك بـ»فلسفة الحب»
قدمت أمس فرقة «كراود كونترول» بمسرح محيي الدين باشطارزي عرض «فلسفة»، الذي حاكى في تفاصيله ازدواجية الحب والصداقة في العلاقات الإنسانية، عبر أربع راقصين أدهشوا من خلاله الجمهور على مدى 35 دقيقة من عمره. حيث جسد أربع راقصين بحركاتهم جنون الحب بتقنية القفز والرقص تارة، وبالمسرح الصامت تارة أخرى.
العرض بدا في تفاصيله لوحات متنوعة بين الرقص الكلاسيكي ورقص الشوارع والمعاصر، إضافة إلى الحركات الأكروباتية والبهلوانية، التي تتطلب الكثير من التدريب والمهارة والتحكم التقني والبدني.
التقينا بالراقصتين كلارا تشاريف وصونيا بوناتشيتش، اللتان أكدتا لـ»الشعب» بأن هذه الزيارة الأولى إلى الجزائر ستكون فرصة لإثراء رصيد هذه الفرقة كثيرة التنقل، كما أن أصداء تجاوب الجمهور مع العروض السابقة شجع الفرقة على تقديم الأحسن. وأضافت كلارا: «هي المرة الأولى التي أسافر فيها إلى بلد غير أوروبي وكان من حسن حظي أن يكون الجزائر، وهو أمر مثير للاهتمام لأنني تعرفت على المنطقة العربية كلها من خلال العروض المشاركة على غرار العرضين السوري والمصري، كما أنني مندهشة من طبيعة البلد الذي لم أكن أعتقد أنها كذلك، أما الجمهور الجزائري فهو مثير للاهتمام، وعاشق للفن والرقص بشكل خاص، وهذا ما لمسته من خلال إصراره على حضور جميع السهرات».
عرض عالمي تقدمه فرنسا
أمــــــا الثنائــــي الفرنســــي الممثل لـ«مسرح الجسد»، فقدم من خلال العرض الفني «هو وهي» حالة نادرة من المتعة البصرية، بتحول الثنائي الراقص على الخشبة إلى مادة تتدفق من حناياها أسئلة وجودية. العمل الفني مستوحى من أعمال الكاتب المسرحي العالمي يوجين يونيسكو، الكاتب المسرحي الفرانكو ــ روماني المعروف بروح العبث، ومن خلال العرض يتطور الثنائي على إيقاع الخشبة حيث يذوب في جسد واحد وهو مفهوم يعمل عليه منذ 16 سنة.
وينطلق العرض بصراع وجودي بين الراقص وحبل يشده من خصره، في لوحة كان يمكن أن تستمر لساعات دون أن يملها الجمهور نظرا لإتقانها اللا متناهي. صراع ينتهي بمجرد فتح الراقص لعقدة الحبل على خصره، ويطلق ضحكة تهكمية، وكأن الانعتاق هدف قد نطاله بحلول تحت أعيننا، فيما نقضي العمر باحثين عنها في آفاق أخرى صعبة المنال. للإشارة، فقد كان من المنتظر أن تشارك في العرض الراقصة العالمية بييتراغالا، لكن تعذر ذلك في آخر اللحظات وتم استخلافها ببديلة دون أن يمس ذلك في شيء بقيمة العرض المقدم.