استحسن الإعلامي والمثقف أحمد بلغيث، واحد من منتخبي المجلس الشعبي الولائي بالمدية، مبادرة الاحتفاء ونفض الغبار عن شخصية الفنان الفذ، المرحوم المحبوب اسطنبولي وتخصيص له حيزا من الإهتمام والدراسة والاعتراف بالجميل في الدورة العاشرة من المهرجان الوطني للمسرح الفكاهي، المنظم من طرف محافظة هذه الولاية، والذي ينطلق اليوم ويتواصل إلى غاية 05 أكتوبر الجاري.
أكد بلغيث لـ«الشعب” قبيل انطلاق التظاهرة، أن المحتفى به والذي كانت تربطه معه علاقة متينة وعائلية، كان “فعلا اسما على مسمى، كان محبوبا من طرف الجميع ويحظى بسمعة طبية سواء بين أصدقائه أو أقاربه”، والمرحوم في نظري “هو قامة من قامات الثقافة، كونه كان يتوقد نشاطا، حركته دائمة، وإن جلس على الكرسي في مكتبه فإنه منكب لا محالة على التأليف الشعري أو المسرحيات، أو تأليف لبعض الأغاني سواء منها العاطفية أو غيرها”.
وكشف الإعلامي بلغيث أن المرحوم المحبوب اسطنبولي المولود في عام 1913، بدأ التمثيل مبكرا وسنه لم يتجاوز التاسعة، مشيرا إلى أنه كان يحدثه دائما على أن المسرح كان موجودا بمدينة المدية مع مطلع القرن التاسع عشر، وقد كتب العديد من الأغاني والتي اشتهر بها الفنان الشعبي عبد القادر شاعو، حيث كان دائما في اتصال به بمكتبه الموجود بباب الوادي، وكان دائما يسدي النصائح للسيد شاعو ويقدم له الرأي الصائب والذي استفاد منه وأصبح عليه ما هو عليه الآن “.
واستطرد محدثنا بصفته واحدا ممن عايشوا حقبة زمنية من السيرة الحياتية للمكرم قائلا: “أذكر أنه ألف نص فيلم أسماه آنذاك برجال في التل، ولم يكتب لهذا الإنتاج أن عرض بالشاشة الوطنية، وقتها لاختلاف حصل بين المؤلف المحبوب اسطنبولي ولجنة التلفزة الثقافية في اختيار البطلة، والتي لم يوافق عليها صاحب النص”، وأضاف بلغيث أن المرحوم كان مدرسة هامة في الإشعاع الثقافي.. وهو من كان عندما يرى أو يشاهد إنتاجا هزيلا أو رديئا يقول لي، لقد أصابنا “التقاف” وليس الثقافة، لأنه كان دائما بشوشا، مبتسما ولا يعرف ولا يشق لليأس طريقا قط”.
ويواصل رئيس خلية الإعلام الأسبق بولاية المدية، سرده لخصال المكرم المرحوم اسطنبولي قائلا “شارك في العديد من الأفلام الجزائرية، وكذا السكاتشات مع المرحوم بوبقرة وغيره، وأذكر منها “أنيس وأنيسة”، كما أخبرني بأنه خط 1000 بيت شعري كلها كانت في الفقه ولكنها بقيت حبيسة أدراج خزانته، مع العديد من الأشعار والأفلام”.
وعن مسيرته النضالية أثناء الحقبة الإستدمارية، يضيف محدثنا “المحبوب كان وطنيا حتى النخاع، حيث شارك في ثورة التحرير الوطني وسجن بسجن سيدي الشحمي بوهران.. وشاهدت آثار حروق على ساقيه بالشاليمو، مؤكدا بأنه كان يكتب من داخل السجن من أجل الجزائر ولها، في إحدى المرات أخبرني بأنه لم يتمكن من الحصول على شهادة مجاهد وقالها لي بنبرة حزينة، وهذا ما دفعني لأكتب عنه مقالا صحفيا في مجلة أول نوفمبر في السبعينيات، لما كنت صحفيا في التلفزة الوطنية، لخصت فيها نضاله في هذه الحقبة دون علمه”، ولما صدر العدد ـ يقول المتحدث ـ قدمت له المجلة وفتحت له الصفحة، فتعجب كثيرا وقال لي وقتها من أعطاك هذه المعلومات، فتبسمت وقلت له فتحت الخزانة وهنا بادلني الإبتسامة، وقال لي إن هذا المقال يكفيه فخرا واعتزازا عن أي وسام”.
بلغيث وفي حديثه معنا أكد أن الكلام عن المحبوب اسطنبولي لا ينتهي في دقائق، ولا يمكن أن يختزل في مقام لأنه بحق موسوعة في الثقافة والتواضع، حيث تذكرت الآن أنه هو من كتب كلمات النشيد الوطني “جزائرنا يا بلاد الجدود”، وهو من كتب قصيدة مطولة عن عائلات المدية، ذاكرا كل واحدة بإحدى ميزاتها، كما أن المحبوب كان فعلا مشجعا لكل عمل جاد ولكل شاب يريد أن يبرز مواهبه، ولم يكن يحمل ضغينة لأحد، حتى لأولئك الذين وضعوا أسماؤهم على إنتاجه وكأنهم هم من أنتجوا ذلك العمل، موضحا في هذه السانحة “لقد تعلمت منه المحبة وعدم اليأس والمثابرة في العمل، وعدم الرضوخ وتضييع الوقت فيما لا ينفع”.
واختتم أحمد بلغيث التلميذ والصديق الوفي قائلا “ورغم أن زوجته عمتي ونعم العمة، كانت أمية، وهي من بنات المدية من عائلة عالم المدعوة - بن حميدة ـ إلا أنها أخلصت العشرة والمعاشرة لطيبة قلبها مبدية تفانيا كبيرا في طاعة المرحوم وسندا له في أداء مهامه، حيث كان يُشهد لها بتلبية رغباته وتمنحه الفرصة والرعاية بما سمح له من التفرغ للعمل الثقافي من كتابة وتأليف”، مبرزا بأن هذا ما جعل المرحوم يتأثر كثيرا بفقدانها، حيث قل نشاطه عن السابق، وقد رثاها بقصيدة طويلة لم أرغب في سماعها وقتها لأني كنت أعتبرها أمي الثانية.. رحم الله العم والعمة وأسكنهما فسيح جنانه، كما أنه بالإضافة إلى كل هذا كان المرحوم نعم الأب وصاحب نكت بدون منازع، حيث كان يربي أبناؤه على حب العلم والمعرفة والوطن، وخير دليل على ذلك ابنه “الحافظ” رحمه الله نال شهادة الليسانس في سنة 1958 وكان يحسن ثلاث لغات كتابة ونطقا، إلى جانب أنه كان إطارا ساميا.
وأضاف بلغيث بأن الاسطنبولي غرس فيه حب الوطن، وهو ما جعله يكون فدائيا إبان الثورة التحريرية، علاوة على ابنه عبد المجيد، والذي كان أستاذا للغة الفرنسية، كما أن ابناه نجيب وكذا عبد الباري فهما صحفيان لحد الساعة وأما ابنه دحمان فهو من خيرة إطارات جامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة، قائلا “أبناؤه كلهم من الطبقة المثقفة”.