يؤكد المايسترو حافظ مقني في هذا الحوار على ضرورة دعم التعاون والتنسيق، القائم أصلا بين الجزائر وتونس، في مجال الموسيقى الكلاسيكية. ويرى قائد الأوركسترا السمفونية التونسية، التي جاءت لتمثل ضيف شرف الدورة السابعة من المهرجان الثقافي الدولي للموسيقى السمفونية بالجزائر، يرى بأن المستوى في المنطقة المغاربية يضاهي ما هو موجود في أوروبا، ولكن الفرق يكمن في الإمكانيات المادية ونسبة الاهتمام بهذا النوع من الموسيقى.
«الشعب»: سبق وأن قلتم في عديد المناسبات بأن الحضور التونسي في هذا المهرجان له طعم خاص.. كيف ذلك؟
حافظ مقني: من المؤكد بأن حضور الأوركسترا السمفونية الجزائرية له طعم خاص ويترك شعورا مميزا، فالطبيعي أن تكون الأوركسترا التونسية متواجدة في الجزائر والجزائرية حاضرة في تونس، وبطريقة متواصلة وليس في المناسبات فقط، وجودنا هنا كضيف شرف في هذا الحدث يدل على اهتمام محافظة المهرجان بالموسيقى السمفونية في تونس، والدليل هو أن هذه الأخيرة حاضرة منذ سبع سنوات في هذا المهرجان ولم تغب في أي دورة، وحتى حينما غابت الأوركسترا الوطنية قامت أوركسترا تونسية أخرى بتعويضها، وهذا الأمر هام جدا بالنسبة لنا، ونتمنى أن تتواصل هذه المشاركات.. وكما أن للأوركسترا التونسية موسم ثقافي في بلدها، وللأوركسترا الجزائرية موسم ثقافي في بلدها الجزائر، فحلمي أن أرى لكل منهما موسم ثقافي في بلاد الآخر، وهذا ما نجده في الأوركسترات في العالم، التي لها موسم ثقافي في بلدانها وفي البلاد المجاورة كذلك، يتجسد في برنامج على طول السنة.. نحن لا نحس بأننا ضيوف وكأننا قادمون من الهند أو الصين، وهذا هو تصوري الخاص، والسيد عبد القادر بوعزارة مقتنع به، وأتمنى أن نستطيع تحقيقه رغم كل الصعوبات التي قد تواجهنا.
تحدثتم عن التنسيق الثقافي بين البلدين.. هل توافقون مع القول الذي يعود بهذا التنسيق إلى أيام الثورة التحريرية حينما كانت الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني مقيمة بتونس، وكان أول من لحّن النشيد الوطني الجزائري حينها فنان تونسي؟ وهل يرقى مستوى التنسيق الحالي إلى تطلعات الطرفين؟
منذ سنوات والموسيقيون التونسيون يأتون إلى الجزائر وينشطون بها، أتحدث هنا عن الموسيقى الكلاسيكية بطبيعة الحال، وحتى قبل مجيئي كان الكثير من الموسيقيين التونسيين يشاركون مع الأوركسترا السمفونية الجزائرية. ومنذ أن توليت إدارة الجوق كنت في كل مرة أحتاج فيها موسيقيين لا أتوجه للبحث عنهم في أوروبا، بل أكلّم مباشرة الأوركسترا الجزائرية وأستقدم موسيقيين منها. كنا متواجدين في السابقين، وما نزال متواجدين اليوم، وهذا التنسيق نتمناه متواصلا بغضّ النظر عن الأشخاص والأسماء، فالمهم أن يبقى التونسيون والجزائريون يعملون معا في هذا المجال.
وحتى في عرضنا المنتظر في المهرجان سنقدم معزوفة لموسيقي عمل كثيرا في الجزائر، وقاد فرقة جزائرية في هذا المسرح (مسرح محيي الدين بشطارزي)، وهو الملحن التونسي قدور السرارفي.. ويأتي هذا الاختيار لأننا نرى من المهم التذكير بالموسيقيين الذين عملوا معا في السابق من أيام حرب التحرير الجزائرية، وأعتقد أن هذا الاختيار في محلّه ويجيب عن السؤال الذي طرحتموه حول مسألة العمل المشترك.
أشرتم إلى أوروبا ومستوى العازفين الجزائريين.. بالقياس على ذلك، ألا تعتقدون بأن القُرب الجغرافي للمغرب العربي من القارة الأوروبية مهّد للموسيقى الكلاسيكية ساهم في رفع المستوى التقني لدى موسيقيي المنطقة المغاربية؟
إن الموسيقى الكلاسيكية موجودة منذ القرن التاسع عشر في بلاد المغرب العربي، وقرب المسافة جعلتنا نعرف هذه الموسيقى ونسمعها منذ الصغر، لذا من العادي جدا أن تكون الموسيقى الكلاسيكية حاضرة في المنطقة. ربما في وقت من الأوقات لم يكن هنالك اهتمام كبير أو توفير الإمكانيات الكافية، ولكن اليوم بدأت الإمكانيات تتوفر، وبالتعاون بين تونس والجزائر والمغرب، سيمكننا تكوين أوركسترا سمفونية ذات مستوى يفوق أوركسترات أوروبية ذات سمعة عالمية.
هل لديكم مشاريع تحضرون لها في المستقبل القريب؟
في شهر جانفي المقبل سنستقبل المايسترو أمين قويدر لكي يقود الأوكسترا السمفونية التونسية، وسيكون مرفقا ببعض الموسيقيين الجزائريين.. لطالما كانت الإمكانيات هي التي تتحكم في مشاريعنا، وأتحدث هنا عن الإمكانيات المادية لأن الإرادة موجودة، وإذا توفرت فقد نكون متواجدين في قسنطينة أو الجزائر لتقديم نفس العرض الذي حدثتكم عنه بالاشتراك بين الموسيقيين التونسيين والجزائريين.