«زوارق اليأس» هو عنوان محاولة أدبية من 64 صفحة، للكاتبة الناشئة خيرة بودرقة، والتي أصدرتها «دار الهدى» للنشر في حلة قشيبة. كما حظيت المحاولة بدعم وزارة الثقافة في إطار الصندوق الوطني لترقية الفنون وآدابها... هي صرخة ضد الركض وراء المجهول والتخلي عن عالم معيش بحثا عن عالم آخر مبني للمجهول.. كما أنها محاولة أدبية جديدة تستحق كل التشجيع على عثراتها ونقائصها.
تحاول الكاتبة إيصال أحاسيس الشباب الذي يرتاد «زوارق الموت»، بحثا عن حلم أو بالأحرى سراب حياة أفضل في الضفة الأخرى. وتروي لنا قصة مراد، الشاب الجزائري الذي لم يجد مخرجا آخر سوى وضع رقبته بين أيدي «تجار الأحلام». ولا تكتفي خيرة بالتطرق إلى حالة مراد، بل تنقل لنا حالات أخرى رافقت بطل قصتها في رحلته نحو المجهول.
غلبت على هذه القصة الطويلة آثار المشاعر التي حملها «مراد» معه طيلة رحلته، وبالأخص تجاه والديه، في مزيج من الطموح والتسليم بالقدر، والتشاؤم والندم وأحيانا «الخجل» ممّا أقدم عليه بطل القصة، ليكون هذا الحوار الداخلي مثالا آخر على كلاسيكيات الحوار الذاتي، أو ما يسمى في الرواية والمسرح «المونولوغ»، الذي يلجأ إليه الكاتب للتعبير عن حالة نفسية تختلط فيها الأحاسيس ولا يدري صاحبها إن كان فيها على صواب أو على خطإ.
يحمل عنوان هذا العمل، «زوارق اليأس»، رسالة واضحة للقارئ على الموقف الذي اختارته الكاتبة وكأنها تخبرنا من خلاله بأن اليأس هو ما يدفع هؤلاء الشباب، وفي أحيان الكهول، إلى ارتياد البحر والمخاطرة بالنفس بحثا عمّا يخبئه المجهول، ولولا يأسهم من تحسّن أوضاعهم ما تركوا الأمّ؛ أمّ في شكلها الحقيقي وهي والدة بطل القصة، وأمّ في بعدها الرمزي وهي الوطن والحيّ بروائحه وعبقه وعادات شخوصه وروّاده.. تقول القاصة: «فصرتُ يا أمّي بعدها تائها عن نفسي.. وصرت بائسا ويائسا، وصارت خطواتي متعثرة، وبعثرت الأقدار أحلامي كما تبعثر رياح الخريف أوراق الشجرة اليتيمة حين تتساقط من أمّهاتها بعد الوهن والاصفرار..»
كما أن موقف القاصة واضح، حين قراءتنا للعنوان، تجاه خطأ هذا الخيار من صحّته، حيث تعتبره خاطئا وتسعى عبر صفحات هذا العمل البرهنة على موقفها، وإن كانت قد أرغمت نصها وشخصيات قصتها إرغاما على أخذ هذا المنحى، وكنا نتمنى لمس سلاسة أكبر في تطور أحداث القصة، ولكن حضور الكاتبة كان أكبر بكثير من حضور شخصياتها، ما يؤثر على مخيال القارئ تأثيرا سلبيا في رأينا.
على صعيد آخر، يتيه القارئ في أحيان بين صيغتي المخاطب والمتكلم، ولا يعلم من هو الراوي ومن هو بطل القصة، هذا الانتقال المفاجئ في السرد تبعته رتابة في الأحاسيس والعاطفة، فجوّ النص مكفهرّ حدّ اليأس، في رومانسية نصيّة ذكرتنا في شكل مضى من أشكال الكتابة، فيما تعتمد الكتابة الحديثة على المعلومة، لأننا ببساطة في عصر المعلومة، ولكن قارئ هذه القصة الطويلة يتساءل إن كانت كاتبتها قد اقتربت بالفعل من أحد مرتادي هذه الزوارق الماضية على طريق اليأس كما تقول.
وقد يكون السبب في هذه النقائص هو دخول الكاتبة تحت مظلة أدب الناشئة، وهو ما نقرأه على غلاف القصة؛ غلاف لا يقدّم معلومة أخرى إضافية عن الكاتبة، ولا تلخيصا للقصة أو تقديما لها، ولا مقدمة من أي نوع كان، وكنا نحبذ، حين تقديم أيّ من الكتاب القادمين الجدد، أن نعرّفهم بالجمهور ونعرّف الجمهور بهم، لأن هذه الأعمال «الأولى» لا ينتظر منها الإبداع الخارق للعادة، فأشباه موزارت قلائل، وإنما ينتظر منها التعود على الكتابة والتشجيع على النشر وصنع اسم بالتدريج، وهو الهدف من النشر للناشئة، في خطوة يجب استقبالها بكلّ التشجيع والمساندة، في زمن غطى الكتاب الديني أو شبه المدرسي أو حتى كتب الطبخ على المحاولات الأدبية، بل صار أكبر الكتاب والأدباء إسما وشأنا يجدون في النشر أيّـما صعوبة.. فحظا موفقا لكلّ الكتاب الناشئة، على أن يعملوا بكدّ من أجل تحسين أعمالهم أكثر فأكثر.