جمـع الأمثـال والحكم هــوايتي المفضـلة
تراثنا له العديد من الأشكال والصور، من عادات وتقاليد وكل ما يتصل بأسلوب المجتمع في العيش، حيث ارتبطت البوقالات والحكم الشعبية والألغاز بخلاصة تجارب مرتبطة بالمجتمع الجزائري تعاقبت عليها الأزمنة والأيام... يزخر المجتمع الڤالمي بتراث لا مادي مازال صداه يبرز في المناسبات الدينية والوطنية وفي الأعياد والأفراح.
وللحديث أكثر في الموضوع، كان لـ «الشعب» حوار مع الكاتبة والباحثة في التراث الشعبي زرقين وردة، صاحبة كتاب «العنقود» الذي صدر في 270 صفحة في إطار قسنطينة عاصمة الثقافة العربية.
- الشعب: ماذا يعني لك الاهتمام بالتراث؟
* زرقين وردة: أولا التراث الشعبي هو ثقافة شعب بأكمله وخلاصة تجارب مجتمع عريق في أزمنة مختلفة، فهو خزان ثقافي يعبّر عن المجتمع ونظرته لمختلف أجزاء الحياة، وهو كنز لا يفنى مهما تعاقبت عليه الأيام والأزمان. والمجتمع الجزائري مجتمع زاخر بتراث لا مادي كالأمثال الشعبية، البوقالات، الألغاز أو ما يعرف «بالمحاجيات» وكذا القصص الشعبية وغيرها. ولكن وبكل أسف، هذا التراث يضيع بسبب عدم خضوعه للتدوين والتوثيق، خاصة في الفترة الاستعمارية في بلادنا، وقد ارتبطت بكل ما هو تراث منذ نعومة أظافري وولعي به جرّني إلى البحث في ذاكرة الأجداد وقررت أن أغوص في أعماق الذاكرة والإبداع الشعبي، كون الذاكرة الشعبية موكلة بالنسيان والغفلة.
هوايتي في الاهتمام بهذا الكنز الثمين تحوّل إلى ممارسة منتظمة، والانتباه لهذا الرصيد من الكنز الباقي الذي يحفظ الكثير من الحلقات بين الأجيال والذي تزخر به بلادنا، جعلني أجتهد وأبحث عنه في مناطق مختلفة من ربوع الوطن، وتدوينه في كتب بحيث قمت في البداية، كخطوة أولى، بجمع كمية معتبرة من الأمثال الشعبية، المحاجيات والبوقالات وطبعها على حسابي الخاص وهذا حفاظا على ثقافة أجدادنا وأسلافنا، وبعدما لاحظت أن المجتمع لايزال يهتم بالموروث الثقافي الشعبي وقد تجلى ذلك في اقتناء جل الكتب التي تم توزيعها في المكتبات، واصلت حينها البحث وتنقلت إلى ولايات عديدة وجمّعت كمية هائلة من ثقافة أجدادنا وتم طبع كتاب يحتوي على 270 صفحة بعنوان «العنقود» خاص بالأمثال الشعبية، البوقالات والمحاجيات، تكفلت به وزارة الثقافة في إطار قسنطينة عاصمة للثقافة العربية.
-مجهود كبير قمت به من خلال جولات لمختلف القرى والمداشر والأرياف لجمع عدد معتبر من الحكم والبوقالات والأمثال الشعبية، ما تقولينه عن هذه التجربة؟
* لقد ولجت عالم التراث الشعبي كهواية وفضول مني للحفاظ على ثقافة أجدادنا وأسلافنا، وأن كل ما هو تراث أو تقليدي يستهويني، وقد سعيت في عملية بحث واسعة لجمع وإنقاذ كل ما هو خارج التوثيق من أناس حفظوا هذه الجواهر الثمينة التي توارثتها الأجيال عن الأجداد، فمحاولتي هي عبارة عن جهد متواضع لم ير النور إلا بعد الاحتكاك بالجدات المسنات، فإذا تحدثنا عن المثل الشعبي نستطيع القول إنه قدوة وعبرة للأجيال، المحاجيات هي كذلك تناسب كل الفئات البشرية وتحدد الذكاء بين الناس وتميل عادة إلى التسلية، أما البوقالات فهي لعبة للترويح عن النفس وتلعب عادة في سهرة رمضانية، فكل هذه الكنوز هي عبارة عن فلكلور شعبي يتسم بالمحلية ويناسب كل الفئات البشرية ولهذا نرى أن المجتمع الجزائري يميل إلى ممارسته شفويا وهي ثقافة الأجداد. أما عن تجربتي الخاصة أستطيع القول إنها تجربة ناجحة، كوني استفدت من الأمثال الشعبية التي حفظتها عن قلب وهي عبرة في حياتي اليومية وكذلك المحاجيات التي تنمي القدرات الفكرية من جهة، ومن جهة أخرى لاحظت هناك اهتماما من طرف الشعب بأصالته وثقافته الشعبية رغم التطور وانتشار التكنولوجيا كالأنترنت والفايسبوك وغيرها.
- في الماضي كان يطغى على السهرات الرمضانية ما يعرف بالبوقالة... ما هو وضعها الآن؟
* أصبحت البوقالات متناولة بشكل كبير، خاصة في السنوات الأخيرة، يتجلى ذلك في الأعراس حيث نرى وضع البوقالة في كل علبة حلويات وهي فال لصاحبة العلبة، كذلك العديد من العائلات عندما تجتمعن في قعدة حميمية أو في سهرة رمضانية تقمن بلعبة البوقالة للترويح عن النفس، خاصة في رمضان أين تجتمع العائلات للسهر. وبالرغم من عودة البوقالة وكل ما هو مرتبط بالتراث الشعبي، خاصة والقنوات الإذاعية آخذة هذا الموروث بعين الاعتبار وكذا بعض القنوات التلفزيونية التي أصبحت تبث حصصا قصيرة عن هذا الموروث، بالإضافة إلى تناولها في صفحات بعض الجرائد، إلا أن هناك نقصا كبيرا في الحفاظ وترسيخ هذا الموروث الثقافي الشفهي الشعبي عبر الأجيال، فلابد أن من يكون هناك اهتمام من المفكرين والباحثين بغرض جمع شمل وشتات هذا التراث، لأن المشكل هو عدم تدوين المادة الشعبية ولهذا فأنا أعتبر الكتاب أحسن طريقة للحفاظ عليه.
- صدر لكم مؤخرا كتاب في 270 صفحة في إطار قسنطينة عاصمة للثقافة العربية.. ما شعوركم مع كل تتويج بالنجاح؟
* نعم صدر لي مؤخرا كتاب من 270 صفحة بعنوان «العنقود» حول الأمثال الشعبية، البوقالات والألغاز الشعبية (المحاجيات)، بدعم من وزارة الثقافة في إطار قسنطينة عاصمة للثقافة العربية، بحيث قمت بجمع حوالي 800 مثل شعبي خاص بعدة مواضيع اجتماعية، منها الوطن، المال، صلة الرحم، الدين، الجمال، الخير والشر والتربية والأخلاق وكذا عن الرجال والنساء وغيرها، كذلك مجموعة هائلة من البوقالات، حوالي 600 بوقالة و420 لغز، مع تقديم حل لكل لغز، بحيث قمت بجمع هذه الكمية الهائلة من موروثنا الثقافي في عديد المناطق من ربوع الوطن. طبعا أنا جد سعيدة بهذا العمل الذي دعم من طرف الوزارة وكذا إقبال المجتمع على اقتناء الكتب التي قمت بطبعها، هذا ما يشجعني على المضي قدما، خاصة وأنا مازلت أجتهد وأبحث عن تراثنا الشعبي الشفوي.
- بما أننا في شهر رمضان، هل يمكنك أن تعطينا بعضا من البوقالات المرتبطة بهذا الشهر المبارك وما المقصود منها؟
* كل الأمثال الشعبية تتحدث عن المواضيع الاجتماعية بلغة التلميح والتعبير، وهناك أمثال يمكن تداولها في مواضيع مشتركة يمكن للمثل الواحد أن يقال مثلا في المال والنساء والصداقة. أما الأمثال التي تقال عن الدين وشهر رمضان فهي متعددة كذلك، مثل «اسأل على دينك حتى يقولوا عليك مهبول»، فهذا المثل يقال عن كثرة الاهتمام بالدين وكثرة التساؤل لفهم الحكمة منه خاصة في الشهر الفضيل وهو شهر العبادة والتسامح والغفران، أين تكثر فيه الحسنات. كذلك هناك ألغاز كثيرة حول شهر رمضان الكريم مثل: «عندي 30 ورقة واللي يأكل ورقة يتحول إلى غرقة».. أيضا «حبتنا حبة لوبان مزروعة في كل أوطان يأكلها مريض بالعلة ولّى خارج الملة» والحل هو شهر رمضان الكريم.
- ما هو جديدك وما طموحاتك المستقبلية؟
* بلادنا شاسعة في مساحتها وكبيرة في تنوع ثقافتها بتعدد اللهجات، لازلت أواصل جمع التراث الشعبي الشفوي من أمثال، بوقالات ومحاجيات، لكن هذه المرة إن شاء الله فأنا بصدد تحضير كتاب آخر عن الأمثال الشعبية والمحاجيات باللهجتين القبائلية والشاوية، وبعد ما أنتهي منه أشرع في الجمع والبحث عن التراث الشعبي الشفوي باللهجتين التارڤية والمزابية. زيادة عن ذلك، فهناك كتاب على مستوى وزارة الثقافة تتكفل بطبعه بعد شهر رمضان الكريم حول القصص الشعبية بعنوان «إكليل الزهور».
- كلمة ختامية؟
* أرجو من المجتمع الجزائري والشباب خاصة حفظ هذه الجواهر الثمينة حتى تبقى متداولة جيلا بعد آخر، فهي كنز رائع تزخر به بلادنا، لأن كل شبر من العالم يحاول الحفاظ على تراثه.
كما أشكر جريدة «الشعب» على هذه الالتفاتة الطيبة ودمتم.