الشعر بديل لمدينتين ونتيجة جرح كبير في الذات

هدى بوعطيح

أكد الشاعر عاشور فني، أن الشعر بالنسبة له هو بديل لمدينتين، ونتيجة جرح كبير في الذات، اكتشفه حين خرج من مدينته سطيف ولم يستطع العودة إليها، وحين انتُزع من تمنراست ولم يتمكن أيضا من الرجوع إليها، قائلا بأنه لم يبق أمامه إلا الشعر، وهي الحقيقة التي لم يدركها إلا بعد 25 سنة وهو في مكان آخر، حيث وجد أن المشاعر التي كانت تنتابه في القصائد الأولى والطريقة التي كان يكتب بها، لم تكن طريقة شخص يريد الترفيه عن نفسه، وإنما التعبير عن ذاته.
وأضاف عاشور فني من منتدى “الشعب” أن الكتابة الشعرية ظلت بالنسبة له دائما وسيلة للبحث في الذات، والاكتشاف والفهم والتعبير، وقال “الكتابة الأدبية لم تكن وسيلة للعيش بل أسلوبا في الحياة، وبذلك تحولت إلى هاجس يومي”، مشيرا إلى أنه كتب الكثير من القصائد في ظروف لا تسمح بالكتابة، لكنها سمحت له بتجاوز التجارب الصعبة والعوائق والأزمات، ولهذا يرى فني الكتابة الأدبية “أسلوب في الحياة وليست وسيلة للعيش أو إنجاز بحث أو عمل”.الشاعر عاشور فني تحدث أيضا عن حياته الجامعية والتي اعتبرها الهجرة الثالثة، بعد هجرته الأولى إلى المدينة، والثانية إلى تمنراست، ثم الثالثة إلى الجزائر العاصمة في بداية الثمانينيات، وكانت ـ حسبه ـ بداية أخرى حيث تعرف فيها على الساحة الأدبية التي كان يقرأ عنها من بعيد، وتعرف فيها عن الأسماء الكبرى التي يقرأ عنها فقط في الصحف والمجلات، كما تعرف على القضايا الثقافية، والتي استمرت لفترة طويلة.
وفي سياق حديثه أكد الشاعر عاشور فني أن الساحة الأدبية في الجزائر ليست سهلة، حيث كانت في بداية الثمانينيات مغلقة لظروف معينة في ظل النظام السياسي والإعلامي والثقافي السائد آنذاك، مشيرا إلى أنهم بالرغم من ذلك تعايشوا مع هذا الوضع، ثم في بداية التسعينيات تغيرت الظروف، حيث رفعت الدولة يدها عن الثقافة، وتقلصت هيمنة الحزب والسياسة على هذا القطاع، وفي نفس الوقت ـ يقول ـ بدأت حركة ثقافية حرة، غير أن ذلك كان مصحوبا بتغيرات أخرى، بظهور جيل جديد، وأسماء جديدة أيضا.
وتأسف فني على من كانوا مهيمنين على الساحة الثقافية، في السبعينيات باسم اتحاد الكتاب الجزائريين وباسم الإبداع، حيث أصبحوا اليوم سدا أمام الثقافة، وقال بأنهم حاولوا تأسيس جمعيات للنهوض بالثقافة ولكن بدون جدوى.
وفي مرحله لاحقة مع نهاية التسعينيات وبداية الألفينيات ظهر جيل جديد والكثير من الجمعيات، لكنهم في بعض الأحيان يحملون نفس النزعة، وهي الاستفادة من الوضع القائم، وتحولت جمعيات إلى شركات والكتاب تحولوا إلى ناشرين والكتاب إلى صحفيين.. وأبرز بأن النجاح الثقافي أصبح نجاحا إعلاميا أو تجاريا، قائلا إن من عاش مثله حياة الكد والكدح يجد صعوبة في التأقلم مع هذا الوضع، ولا يقبله بسهولة، مؤكدا بأن هذا الأمر أصبح شائعا وهو القاعدة، وقال إنه كان يجد نفسه في تلك المرحلة يصنع لعبته، من الطين والخشب بيده، ويسهر معها الليالي ثم يعيد صناعتها وتركيبها من جديد وقلما يشتهي لعبة من السوق، وأضاف بأن قصائده مازالت من الطين، وما زال ينتظر الغيمة ويتبعها، ويرى النجوم في الليل أقرب من خيط الغسيل، ومازال يعيش في حقول كبيرة وملونة.
وأضاف عاشور “أعتقد أنني مازلت أحمل شيئا من الجزائر التي عشتها، والتي أعيش فيها وأعيش لها”، وتمنى أن يتمكن يوما ما من الكتابة عن هذه المرحلة بتفاصيلها، مشيرا إلى أنه دوّن تفاصيلها في فترة الثمانينيات والتسعينيات.
من جانب آخر وفي سياق حديثه تحامل عاشور فني على بعض المثقفين، والذي يرى بأن دورهم في الساحة يكاد يكون معدوما، وما يقدمونه من خدمات للمؤسسة الرسمية هو تكريس للبيروقراطية، وقال أيضا “في نفس الوقت نجد أجيالا جديدة من الكتاب والمبدعين في كل الفنون، ليس لهم مرجع ولا طموح، أعتقد أن الساحة الثقافية عموما عرفت شرخا كبير لم يعد يسمح بوجود رموز قوية، على الرغم من وجود تجارب مبدعة ولكن الساحة لا تحفظها”، مشيرا إلى أن هناك إمكانية ظهور أعمال أدبية كبرى، غير أن الواقع لم يعد يسمح بذلك، مضيفا أن هناك عدد كبير من النصوص والشعراء ولكن الساحة الأدبية تفتقر إلى حركة شعرية وأدبية، وقال “لا تنقصنا الأسماء ولا النصوص ولا المنشورات، ما ينقص هو ما ينتظم كل هذا ليتحول إلى حركة عامة، يكون لها دلالة ومعنى ومغزى في المستقبل”، مبرزا أنه لا يوجد في الوقت الحالي ما يكفي من طاقة ومن مبادرات من أجل ذلك، والاكتفاء بالوضع الراهن وانعدام الطموح.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024