يعتبر الحفاظ على الهوية الثقافية الوطنية من أهم التحديات التي تواجهها شعوب العالم، بسبب ظاهرة العولمة التي حولت العالم إلى قرية صغيرة، وبات من الصعب الحفاظ على خصوصيات الشعوب.. وليست الجزائر في منأى عن ذلك، خاصة في ظل “الغنى والثراء” الكبير لموروثنا الثقافي المترامي الأطراف والموزع على مساحة تزيد عن المليونين متر مربع، ولا شك أن الموروث الثقافي الأمازيغي خاصة الأدب الشعبي منه من بين أهم”المكاسب” التي يجب الحفاظ عليها وترقيتها محليا ووطنيا وحتى إقليميا.
يؤكد الأستاذ والباحث في الثقافة الأمازيغية محمد مرداسي، والذي سبق وأن عمل لمدة 6 سنوات كمدقق لغوي بجريدة “الشعب”، أن الثقافة الأمازيغية كانت ومازالت حصنا منيعا للهوية الوطنية، رغم كل محاولات “الطمس” التي تعرضت لها من قبل الاستعمار الفرنسي، و«التهميش والإقصاء” بعد الاستقلال، خاصة وأن الجزائر فرضت عليها أجندات “ثقافية” معينة غربية وشرقية، وسط “نكران” جزائري للثقافة المحلية، ويستشهد الاستاذ “الشعب” الباحث في الشؤون الثقافية الأمازيغية بأحد مؤلفات الكاتب المغربي بن بركة والذي ألف كتابه “من وحي البيئة”، في أحد سجون الاستعمار الفرنسي، يؤكد فيه أن لكل دولة في العالم هوية ممثلة في معلم معين فالزائر لفرنسا مثلا يجد مدينة ليل والزائر للسعودية يجد مكة...وهكذا، إلا دول شمال إفريقيا والتي رغم ثراها فإنها “لا تملك”، معلما ثقافيا أو دينيا أو حتى تاريخيا يعرف بهويتها، ويرجع السبب الرئيس في ذلك إلى “العزلة”الثقافية لسكان دول شمال إفريقيا عن هويتهم المحلية الأصلية ممثلة في الثقافة الأمازيغية.
ويجمع محدثنا بين الأساطير والعادات والتقاليد والألبسة ومختلف الأكولات في مصطلح واحد هو الثقافة، التي يجب أن نجتهد جميعا للحفاظ عليها وترقيتها من خلال “دحض” المصطلحات والمفاهيم العنصرية، على غرار، عربي، شاوي، قبايلي وتارقي وهذه الأفكار لا تبني مطلقا دولة، ويحرص محدثنا على أهمية معرفة اللغة الأمازيغية لمعرفة الدارجة إضافة إلى الشرح الجيد لها، وعدم معرفة اللغة الأمازيغية دفع بالعديد من الدكاترة والباحثين في الشؤون الأمازيغية الثقافية إلى إرتكاب أخطاء “قاتلة”، تهدد مستقبل الأجيال القادمة في تعلم اللغة والثقافة الأمازيغية، لأنهم لا يعرفون جيدا اللغة الأمازيغة والشاوية فمثلا لا يقال في اللغة العربية “نعطيك بنتي” بل يقال “أزوجك ابنتي”، وهل يقال “حمرلي وجهي”؟، بل يقال “شرفني”، وعليه فكل الدارجة الموجودة في المغرب العربي ترجمة للأمازيغية، فالباحث في اللغة الأمازيغية حسب مرداسي لا بد وأن يكون على علم ودراية بعدة لغات خاصة اللغة العربية والفرنسية والأمازيغية كضرورة.
يتأسف الأستاذ محمد مرداسي لواقع الأدب الشعبي الشفهي الأمازيغي في الجزائر، حيث يشير إلى تراجع هذا الأخير، بحكم “العقدة” التي تحكم الجزائريين في التخاطب باللغة الأمازيغية، بسبب غياب الناقل لهذا الموروث، كون قديما كانت الجدة هي الراوي والمجتمع كان متماسكا، عكس الحاصل حاليا، حيث “يخجل” الجزائريون من الحديث بلغتهم وهو مستوى خطير يهدد النسيج الاجتماعي الجزائري، والهوية الوطنية، إذا استثنيا منطقة القبائل والتي لا يزال التخاطب فيها يعتمد أساسا على الأمازيغية .
ويستشهد محدثنا بمحاولات جادة لتدوين الأدب الشعبي الأمازيغي وتوثيقه في إطار الحفاظ عليه على غرار الكاتبة الشابة ساعد خديجة، الكاتب فكهاني، عبد الله خلفة، محمد الصالح لونيسي، وهي تجارب جادة رغم العوائق الكثيرة التي يواجهها هؤلاء في النشر .
الأدب الشفهي الأمازيغي
مهم في تطوير البنية التعليمة
يلعب الأدب الشفهي الأمازيغي دورا مهما في تطوير البنية التعليمية، حيث يؤكد مرداسي أن 90 ٪ من الأمثال الشعبية الدارجة في كل دول الغرب العربي مترجمة ومستوحاة من الأمازيغية، ويستدل بمؤلفات الكاتب الجزائر بن هدوقة ودوره البارز في ترجمة تلك الأمثال الشعبية، ويمكن تطوير البنية التعليمية من خلال إلزامية التعليم بهاته اللغة أو من خلال الترجمة، حيث يشير الباحث إلى قدم الأدب الشفهي الأمازيغي في الجزائر وتجليات ذلك في المسرح في منطقة الأوراس ممثلة في “شايب عشورا” ويسمى في منطقة تلمسان وما جوارها ب”أيرادو” بمعنى الأسد، وهو مسرح شعبي في الهواء الطلق من عهد الملك يوبا.
ويستدل الاستاذ أيضا بقصة “أسوو”، وهي أسطورة أمازيغية تروي أن هناك شخصا يدعى أسوو لم يحمد نعم الله الكثيرة عليه، وفي مرة من المرات توضأ بالحليب وجلب غضب الله عليه فحوله إلى طائر لقلق (بلارج)، وهنا دلالة اقتصادية تتمثل في الحفاظ على الحليب وعدم تبذيره، ودلالة دينية تتمثل في الخوف من الله، إضافة إلى تمجيد الثقافة الأمازيغية للمرأة ودورها الكبير في مشاركة الرجل في كل شؤون الحياة ويظهر ذلك في أسطورة “فحلولة” وهي امرأة أمازيغية خلدتها قصص التاريخ، حتى أننا نحن الأمازيغ يضيف المتحدث جعلنا منها ملكة عكس باقي شعوب العالم التي كانت تنظر إلى المرأة على أنه “شيطان جميل”، و«عار” وغيرها من أوصاف لا تليق بالمرأة.
ويلح الباحث مرداسي على أهمية الإعلام والإشهار في الترويج والتعريف بالثقافة الأمازيغية، وهو الدور الذي ينتظر من السلطات الوصية أن تلعبه في “إعادة الاعتبار” لهذا الموروث الثقافي الذي يجب أن نفتخر به ونعمل سويا على ترقيته، إضافة إلى تكوين الإطارات والكوادر في هاته اللغة، مع تثمين الموجود، وقبول كل المبادرات الخيرة والراغبة في تحسين وتطوير والحفاظ على الثقافة الأمازيغية.