الفنانة القبائلية سهام ستيتي في حوار مع “الشعب”:

“لا أحتاج لعصا أو نظـارات لمواجهة إعاقتي والإرادة والعزيمة سبب نجـاحي”

ضاوية ــ ت

قالت الفنانة القبائلية سهام ستيتي، أنّ “خذوا بيدي أنا عمياء لا أرى”، أول ألبوم سجّلته وعمري ١٧ سنة، إنّها ليست بحاجة لنظارات أو عصا بيضاء من أجل تحدي إعاقتها، مؤكدة أنّ عائلتها قدّمت لها الدّعم والعناية اللاّزمة من أجل تدبّر أمورها لوحدها، باعتبارها مهّدت لها الطريق لاقتحام مجال الفن وفجّرت موهبتها الفنية أصبحت مصدر رزقها، بدل من طرق الأبواب، مستنكرة الدخل الشهري الموجه للمعاقين والذي لا يزيد عن ٣٠٠٠ دج، داعية السلطات التكفل بهذه الشريحة من خلال الحوار الذي خصّت به “الشعب”.

❊ الشعب: اقتحمتم المجال الفني في سن مبكرة واستطعتم فرض تواجدكم وسط الأسرة الفنية، ما هو سر هذا النجاح؟
❊❊ سهام ستيتي:  أنا أنحدر من أسرة فنية، وقد كان والدي يهوى الغناء والموسيقى كثيرا، وكان دائما يحلم أن يجعل مني نجمة في مجال الطرب، لسببين الأول كونه أفنى عمره لخدمة الفن ولكن لم يلق منه أي مقابل، وثانيا كان يريد أن يغادر هذه الحياة وهو مطمئن على مستقبلي كوني مكفوفة، وقد تحمّس أكثر للفكرة بعد أن غنيت أول مرة في مركز التكوين المهني بـ “ثالة علام” أين كان والدي موظّفا، ونلتُ إعجاب الجميع.
ومن هنا كانت الانطلاقة الفنية لسهام ستيتي، أين أصبحت مديرة المركز تستدعيني كلّما كان هناك نشاط ثقافي، ونشّطت العديد من الحفلات عبر إقليم الولاية وعلى المستوى الوطني، وأنتجت ألبومات فنية بعد وفاة والدي.
  ❊ الفنانة سهام تأثرت كثيرا بوفاة والدها، حدّثينا عن ذلك؟
❊❊ كان خبر وفاة والدي الذي جعل من سهام ستيتي اسما فنيا لامعا بمثابة صاعقة، فلم أتقبّله إطلاقا، وأصبحت أرى الغناء من دونه مجددا شبه مستحيل، باعتباره كان المرشد والمنسق لكل أعمالي الفنية، وقائد فرقتي الموسيقية، وكان معي في جميع اللقاءات الفنية التي كنت أنشّطها، ولكن بعد ثلاثة أشهر من وفاته، تلقّيت دعوة للمشاركة في حفل فني بولاية سطيف، بمناسبة انطلاق فعاليات مهرجان الفيلم الأمازيغي، وكان ذلك في سنة 2008، وقد رفضت الدعوة في البداية، ولكن بعد تذكّري مدى شغف والدي ومجهوداته الجبّارة ليصنع منّي اسما فنيا لامعا بكل المقاييس قبلتها، ورغم حزني صعدت على الرّكح وغنيت للجمهور، ولقد كرمت من طرف ديوان حقوق المؤلف والحقوق المجاورة حينها، احتراما وتقديرا لمجهودات والدي، الذي علّمني احتراف الفن وفقا للخطوات التي وضعها عمالقة الفن الجزائري بصفة عامة والقبائلي بصفة خاصة، وقد كان حلم والدي أن أحيي حفلات خارج الوطن.
  ❊ كيف عدتم إلى السّاحة الفنية بعد وفاة الوالد؟ وهل واجهتكم عراقيل؟
❊❊ في الحقيقة تقبّل وفاة والدي في البداية كان صعبا بالنسبة لي، خاصة أنه كان السّند في حياتي، وأحسست لأوّل مرّة في حياتي بأنّني فعلا لا أبصر، بعدما كنت أعتمد عليه كثيرا في كل صغيرة وكبيرة، ولم يكن من السّهل عليّه التأقلم مع الحياة من دونه، كان دوما يقول لي يجب أن تعتمدي على نفسك لأنّني لن أدوم لك، وبفضل الإرادة والعزيمة عدت إلى الساحة الفنية للغناء من جديد وحقّقت حلم أبي، ووقفت على مسرح الزنيت بباريس، وكانت المفاجأة أين نشطت الحفل مع الفنان تكفاريناس في 19 أفريل 2008، كما سجلت ألبوما بفرنسا وهو أيضا كان حلم والدي.
حفلات بالمركز الثّقافي الجزائري بباريس
❊ وكيف كان شعوركم وأنتم تنظّمون أول حفل لكم بفرنسا؟
❊❊ لم تكتمل فرحتي لغياب والدي الذي اعتدت مشاركته لي جميع أفراحي، والذي كان دوما يطمح رؤيتي أرفع الراية الوطنية في البلدان الأجنبية، حيث استدعيت أول مرة بعد حصولي على التأشيرة سنة 2007 للمشاركة في حفل فني تكريما لوالدي، وبعدها نظّمت عدة حفلات منها في المركز الثقافي الجزائري بباريس، وبعدها في تظاهرة الأغنية الأمازيغية التي نظّمت بقاعة كباري صوفاج الفرنسية، وأدّيت أغنية “أمي ازيد غوري” للفنان القبائلي إيدير التي تفاعل وانسجم معها الجمهور، وهذا الاحتفال يبقى منحوتا في ذاكرتي، وهنا أحسست أن حلم والدي تحقق وتحول من حلم إلى حقيقة.
❊ هل ترين بأنّ ذوي الاحتياجات الخاصة يتحصّلون على حقوقهم كاملة؟
❊❊ السلطات لم تبذل أي مجهودات من أجل مساندة هذه الشّريحة المعاقة، التي لا يزال يعتبرونها عالة على المجتمع الجزائري، مكتفية بالاحتفال باليوم العالمي للمعاقين المصادف لـ 14 مارس، أين توجّه لهم دعوة رمزية، حيث تقوم بتوزيع عصا بيضاء ونظارات سوداء، والتي تذكّرك دائما بإعاقتك.
نحن لا نحتاج لا لعصا بيضاء ولا لنظارات، فالمعاق يحتاج لمنحة شهرية قادرة على تلبية حاجياته، عوض المنحة الشهرية التي يتقاضونها والتي لا تزيد عن 3 آلاف دج، والتي أعتبرها إهانة للمعوقين. وعليه أطلب من السّلطات أن ينظروا لهذه الفئة بقليل من الإنسانية والرحمة للتغيير من واقعهم الذي يحطم القلوب، فالقوانين المخصصة لحماية حقوق المعاقين أجدها ليست منطقية.
ولا تقف الأمور عند هذا الحد، فحتى على مستوى البنوك المكفوف ليس له حق استخراج مبلغ مالي من رصيده البنكي، مستعملين عبارات قاتلة على غرار “القانون لا يسمح لك بذلك كونك مكفوفا”. وهنا أتساءل عن أسباب قبول فتح الأرصدة البنكية للمكفوف، مادام أنه لا يستطيع استخراجها لوحده، هذه الحقرة دفعتني لرفض كل الاحتفالات الخاصة بالمعاقين والمنظمة من طرف السلطات، إلا إذا إن كانت الدعوة موجهة من طرف هذه الشريحة.
المعاق يصارع كل أنواع الحرمان والذل والهوان.
❊ كيف تتعامل سهام مع إعاقتها؟
❊❊ في ما يخص إعاقتي فأنا اعتدت عليها منذ كنت صغيرة، وتقبّلت فكرة العيش بإعاقتي إلى مدى الحياة، ما جعلني أعتمد على نفسي في كل شيء سواء في المنزل أو خارجه، فلم أحس يوما بأنّني معاقة إلا بعد 31 جانفي 2007 تاريخ مغادرة والدي لهذه الدنيا بصفة نهائية بعد تعرضه لحادث مرور. هنا أحسست بأنّني مهزومة ومحطمة ومعاقة، ومتابعة الفن بعد هذه الفاجعة كان معجزة، ولكن تعب والدي أثمر لأنه زرع الفن بوجداني للأبد، ولم أدرك ذلك إلا بعد وفاته، على اعتبار أنه بالرغم من الحزن الذي عانيت منه، فالحنين إلى الغناء دائما كان يستهويني، فمن خلاله أتمكن من التعبير على كل ما يختلج في صدري، ففي هذا المجال تلقى سهام راحتها التامة.
❊ ما هي أهم العقبات التي واجهتيها في حياتكم، وما هي الأشياء التي تؤلمكم أكثر؟
❊❊ أول عقبة صادفتها في حياتي الفنية تعاملي من جديد مع ملحنين ومؤلفين جدد من غير والدي، الذي كان دائما ينظّم أعمالي، وبعد وفاته وجدت صعوبة كبيرة في ذلك، ولكن الحمد لله استطعت أن أتجاوز هذه المرحلة.
أما بخصوص ما يؤلمني أكثر ذكرت العديد منها في بداية الحديث، ولكن عليكم أن تعلموا أنّ المكفوف محروم من رؤية العالم الذي وجد ليعيش فيه، ولكن أسوء وأفضع شيء قد يؤلمه هو أن لا ترى وجه من آتى بك لهذه الدنيا، وهما الوالدين، البصر أكبر نعمة أنعم الله بها عباده.
الفن موهبة ومهنة
❊ من خلال مسيرتكم الفنية الطويلة، هل تعتقدين بأنّ الفن يرقى لأن يكون مهنة في بلادنا؟
❊❊ صحيح أنّ في بلادنا الفن لا يرق من أجل أن يكون مهنة، ونحن بعيدين كل البعد على ذلك، ولكن لو كنا في دولة تحمي حقوق الفنان أظن أنه يمكن أن نجعل منه مهنة، لأن الفنان يتعب ويشقى من أجل عمله، ولابد أن يكون له مقابل على ذلك، وهذا لا ينطبق على الفنان.
لكن تبقى المبادرات الثقافية للمسؤولين تفتح المجال للفنانين من أجل ترقية مواهبهم، ودعمهم ماديا من خلال الأظرفة المالية الرمزية التي خصصتها لكل المشاركين في إحياء التظاهرات الوطنية، من مهرجانات وأسابيع ثقافية، ما حفّزهم وساعدهم في مواصلة انتاجاتهم الفنية، حتى يبقى الفن الجزائري دائما موجودا على الساحة الوطنية أو الدولية، ولكن هذه المبادرات تبقى غير كافية فلابد من وضع قانون أساسي يحمي حقوق الفنان المهمّشة، خاصة من الناحية الاجتماعية.
❊ ما تقيمكم للأغنية القبائلية؟
❊❊ لن أكون متشائمة..هناك فنانين ناضلوا وكافحوا من أجل خلود هذا الإرث الثقافي والفني، أمثال شريف خدام، كمال حمادي، نوارة، لونيس أيت منقلات، علاوة، إيدير، حنيفة، زروق علاوة، وغيرهم من الفنانين ممن أعتبرهم رواد الأغنية القبائلية، وبفضلهم نحن جيل اليوم لم نضيع الطريق، وآمل أن نواصل في نفس المنهج والمنوال من أجل الحفاظ على الإرث الثقافي الذي يمثل جزءا من هويتنا.
ولا أنكر أن هناك من الفنان جعلوا من الأغنية القبائلية تجارة، ما جعلهم يوقعون شهادة وفاة أغانيهم بدلا من شهادة ميلادها في أول إصدار لها، ولكن تبقى الأعمال الفنية الجادة والصادقة والتي تحمل معان ورسائل ودلالات إلى يومنا حاضرة وموجودة في الساحة الفنية، وعلينا دائما تكثيف الجهود من أجل الحفاظ على هذا المستوى الذي بلغته الأغنية القبائلية، والتي ذاع صيتها على المستوى العالمي بفضل عمالقتها.
❊ بمن تأثّرت سهام من الفنّانين؟
❊❊ أولي حبا واحتراما لكل الفنانين الجزائريين، إلاّ أنني تأثرت كثيرا بالفنانة الراحلة حنيفة التي بدأتُ مشواري الفني بأغنيتها “ذراييو”،  حيث سجّلت سنة 1998 ألبوما يحمل بعض أغاني هذه الفنانة التي أعشقها حد النخاع، إلى جانب الراحلة خالتي شريفة، وأمنيتي الآن أن أغني برفقة الفنان القبائلي إيدير.
❊ وما الذي قدّمته سهام ستيتي لجمهور الأغنية القبائلية؟
❊❊ لديّ ثمانية ألبومات، الأوّل سجلته سنة 1997 وعمري لم يكن يتجاوز 17 عاما، يحمل عنوان “طفثيي أفوس” بمعنى “خذوا بيدي أنا عمياء لا أرى”، وهو الألبوم الذي عرفني به الجمهور مباشرة، وسجلت به حضوري في حصص المسابقات التلفزيونية والإذاعية.
وفي 1998 أعدت أغاني نجمات الأغنية القبائلية الراحلتين حنيفة وشريفة، في ألبوم يضم 18 عنوانا، وعدت في سنة 2000  بألبوم “أيقور” أو القمر، وسنة بعد ذلك سجّلت عملي الرابع “زين ارقاق” للأفراح والأعراس، وأعدت فيه أغنية الفنان نوري كوفي “جاي على عودو” باللهجة القبائلية، وقدّمت في 2004 أغاني مع الفنان القبائلي محمد دحاك “ألحباب”، تكريما لكل الذين يحبّون فنّي ويقدّرونني، كما سجّلت في 2005 “ثكسيوث” أو الجبة القبائلية، وعندما عدت إلى الغناء سجّلت في 2009 ألبوما بفرنسا تكريما لشقيقي الراحل الذي توفي مع والدي يحمل عنوان”يما يما” بمعنى أمي أمي، وآخر إصداراتي كان قبل عامين “الحناء” مواضيعه تنحصر حول العادات والتقاليد الجزائرية الخاصة بالأفراح والمناسبات السعيدة.
❊ ما هي مشاريعكم المستقبلية؟
❊❊ حاليا أنا بصدد التحضير لألبوم جديد “Best off”، سأقدّم فيه لأول مرّة بعض الأغاني التي تركها لي والدي رحمه الله، كما سأسافر خلال هذا الشهر إلى فرنسا رفقة زوجي لإحياء حفلات، ولن أعود قبل شهر مارس 2015.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024