شهد اليوم الثاني من المهرجان الوطني للمسرح المحترف، الذي ينظم في طبعته التاسعة، تكريما لروح فقيد أبي الفنون «أمحمد بن قطاف»، عرض «ليلة إعدام» التي دارت أحداثها في بعث الأمل وتقبل الآخر في الحياة واحترام خصوصيات الناس. وهو عرض تابعه الجمهور باهتمام بالغ، بحسب ما رصدته «الشعب» بعين المكان.
وعبّر مهتمون لـ«الشعب» خلال ندوة النقاش التي تصاحب كل عرض، أن مسرحية «ليلة إعدام» أوصلت رسالتها إلى الجمهور وفهم مغزاها.
استطاع المخرج سفيان عطية إيصال الفكرة إلى الجمهور الحاضر، من خلال المشاهد المستوحاة من الواقع المعيش والتعبير عن آمال الميئوس من حياته، في الوقت الذي تتغيّر أمور عدة وتصبح المعجزة حقيقة وهو ما شدّ انتباه عشاق الفن الرابع لمتابعة المسرحية إلى نهايتها.
قدم العرض بالعربية الفصحى رؤيتين مختلفتين عبر حوار متناقض قائم بين بطلين، هما السجين المحكوم عليه بالإعدام والسجّان غير المتسامح الذي يلجأ إلى استعمال عبارات عنصرية، لكن سرعان ما تنقلب الآية مع تسلسل الأحداث، حيث يُدان السجّان بنفس تهمة السجين، الأمر الذي يقلب الموازين ليفسح المجال لرؤية أكثر إنسانية.
كما وظف المخرج عطية، لأول مرة، عنصرا جديدا في العرض هو التعبير عن الأفكار من خلال الموسيقى أي اللاّمنطوق.
قال الناقد المسرحي الأردني الدكتور «علي عواد»، إن المسرحية قدمت الرسالة من الناحية السيميائية بوضوح، لاسيما توظيف الموسيقى والأداء السينوغرافي الرائع.
في نفس السياق، عبّر الكاتب والناقد المسرحي المغربي الدكتور «عبد الكريم برشيد» عن إعجابه بالعرض المسرحي قائلا: «فعلا التمسنا عدة قضايا في العرض، فهي حملت أفكارا جيدة وكان موضوعها إنسانيا بالدرجة الأولى».
للإشارة، فإن مسرحية «ليلة إعدام» من إنتاج التعاونية المسرحية «كانفاس» لبرج بوعريريج، تضاف لأعمال سفيان عطية، الذي كتب أيضا للمسرح «حسناوي شو» في 2009 و»لحظة من رحيل» و»نورمال» في 2012.
«العرضة» تعالج فكرة نهاية الإنسان
تابع جمهور الفن الرابع العرض الثاني من فعاليات الطبعة التاسعة للمسرح الوطني المحترف، مسرحية «العرضة» للمخرج فوزي بن براهم، من إنتاج المسرح الجهوي قسنطينة.
وتدخل مسرحية «العرضة» المنافسة من خلال الموضوع الذي قدمه المخرج فوزي بن براهم واقتبس نصّه من المسرحي العالمي أوجين يونيسكو.
وأخذ كاتب النص محمد الطيب دهيمي المسرحية عن فكرة «الملك يحتضر» لـ»أوجين يونيسكو»، رغم أن النص ابتعد عن أجواء يونيسكو، بحسب بعض المهتمين، وتمكن بن براهم من خلاله من تقديم رؤية أخرى ضمن مساره في الإخراج.
وتحكي المسرحية مأزق الملك الذي يجد نفسه في لحظة نهاية بعد أن تهاوى ملكه وانتهت سلطته، بينما يسعى هو أن يؤجّل تلك النهاية رفقة أربعة من خدمه الذين بقوا معه. ويبدو الملك رافضا الوضع الذي يعيشه، فلا يفصل في الطريقة التي سينتهي بها حكمه ومن ثمّة حياته.
ويتخلى عنه الجميع بمن فيهم أمّه التي فرّت مع طباخ القصر وزوجته وأبنائه الذين غادروا.
وضمن حوار مركّز مع خادمه، يكتشف الملك أن الرأس الذي عاش به ليس رأسه وإنما رأس جده، وهو الإيحاء الرمزي إلى عدم وجود فضل له في حكمه وسلطته ولا في أفكاره وتنتهي المسرحية قبل نهاية الملك وحكمه.
استطاع المخرج فوزي بن براهم أن يستثمر في المسرح من خلال مقطوعة من «خيال الظل»، أدى فيها الممثلون عرضا شدّ الانتباه، كما خرج الملك من الخشبة مخاطبا الجمهور في حركة سلسة.
واقترحت مسرحية «العرضة» على جمهور محي الدين بشطارزي لوحة رقص على قدر من الجمالية، حيث نجح مصمّمها عيسى شواط في الاستجابة لقدرات الممثلين الذين اشتركوا في اللوحة.
واعتمدت المسرحية سينوغرافيا بسيطة كادت أن تكون موفقة، لولا أن السينوغرافي موسى نون، ارتأى أن يضع مشهدا ثابتا في الخلفية يفسّر خراب المملكة وسقوطها.
خلال ندوة النقاش التي تلت العرض، طرح النقاد المسرحيون وبعض الممثلين، أفكارهم وملاحظاتهم حول عرض المخرج بن براهم وممثلي المسرحية.
ويعتبر فوزي بن براهم أحد أهم المخرجين الشباب في الجزائر، حيث أبان عن مواهبه من خلال أعماله التي قدمها للمسرح مؤخرا منذ عمله «الدب» و»مستنقع الذئاب» التي حصلت على جائزة أحسن إخراج في 2011.
وبالإضافة إلى «العرضة»، التي تابعها الجمهور، ليلة الجمعة، يشارك بن براهم في المهرجان بعملين في المنافسة من خلال «سطو خاص» وعمل آخر خارج المنافسة هو «الساعة صفر».