شهد مسار قطار الثقافة والفنون بولاية بومرداس عدة محطات مهمة خلال سنة 2021 بفضل الانفراج الصحي والعودة التدريجية لمختلف الأنشطة التي كانت متوقفة، وعادت معها قاعات العروض والمراكز لتفتح أبوابها مجددا أمام الجمهور المتعطش بعد قطيعة دامت لفترة ليست بالقصيرة، وبالتالي بادرت الكثير من الهيئات والجمعيات الفاعلة في القطاع إلى تنظيم نشاطات، ملتقيات، معارض فنية وندوات فكرية، كان ختامها مسكا باحتضان الطبعة الأولى للأيام الوطنية فتيحة باربار لمسرح الشباب في الفترة من 6 الى 11 ديسمبر..
بعد شهور وأسابيع عجاف خيمت على أيام وليالي سنة 2020، حيث كان لجائحة كورونا أحكامها القاسية على عدة قطاعات اقتصادية، اجتماعية وثقافية بدت نتائجها السلبية وحصيلتها الجوفاء ظاهرة في الميدان وعلى حياة المواطن، ليكون مطلع عام 2021 بمثابة السنة التي أغيث فيها الناس وعصروا من مختلف المناهل التي كادت أن تجف منابعها بسبب توقف حركة التاريخ ومعها الحركة الانتاجية والابداعية في المجال الثقافي والفني، وبالتالي عادت الروح مجددا للكثير من المؤسسات والهيئات لتطلق العنان لمختلف الأنشطة الفكرية والفنية ولو باحتشام في البداية لكن العبرة بالخواتيم.
لقد كانت خاتمة السنة الثقافية بولاية بومرداس مثمرة الى حد كبير بحسب الكثير من المتابعين مقارنة مع السنوات الماضية، بالنظر إلى الحركية التي عرفتها الولاية، خلال السداسي الثاني من السنة بفضل البرامج والمواعيد الهامة التي بادرت إليها المؤسسات الثقافية على رأسها مديرية الثقافة والفنون بملاحقها المحلية، المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية، مصلحة النشاطات الثقافية لجامعة أمحمد بوقرة، إلى جانب الفرق المسرحية الناشطة في عدة بلديات التي حافظت على ماء وجه القطاع واستمرت في العطاء حتى في ظل الأزمتين، جائحة كورونا وتراجع دور الهيئات الرئيسية عن أداء دورها والسهر على تطبيق برامجها السنوية خاصة في المناطق النائية.
ومقارنة بالحركة الابداعية التي عادت لها الحياة نسبيا، يبقى قطاع الثقافة بولاية بومرداس يعاني من أزمة المرافق والهياكل التي لا تعكس حجم الطموحات التي أظهرتها عدد من الهيئات والفرق المسرحية بالخصوص التي تعتبر أكثر نشاطا وغزارة من حيث النشاط والانتاج، مقابل أزمة القاعات وتعثر مشروع انجاز المسرح الجهوي المسجل منذ أزيد من 10 سنوات، في حين يبقى المشهد المحلي بالبلديات أكثر ضبابية وبدون حضور في يوميات المواطن.
الأيام الوطنية فتيحة بربار.. مسك الختام
شكلت تظاهرة الأيام الوطنية فتيحة بربار لمسرح الشباب في طبعتها الأولى أهم حدث ثقافي اختتمت بها سنة 2021، بالنظر إلى توقيته وأهميته في إعادة لمّ شمل أسرة الفن الرابع المبعثرة وتنشيط المشهد المحلي وحتى الوطني، وأيضا من حيث ثقل الوجوه التي حضرت سواء كضيوف شرف يتقدمهم الممثل العالمي الكبير أحمد علي سالم صاحب دور بلال في فيلم الرسالة، أو من حيث نوعية الفرق التي شاركت في فعاليات الطبعة بعروضها المميزة، وأيضا الأسماء الفنية والنقاد الذين جمعتهم لجنة التحكيم على رأسهم المخرج عمر فطموش ابن ولاية بومرداس ورئيس جمعية السنجاب لبلدية برج منايل.
وقد أجمع الكثير من المشاركين في التظاهرة التي بادرت إليها جمعية المنارة الثقافية لقورصو على نجاح الطبعة الأولى التي جاءت خصيصا لتكريم روح ومسيرة الفنانة فتيحة بربار ابنة بلدية لقاطة بولاية بومرداس، الحافلة بالإنجازات والحضور المتميز في مختلف الأدوار الفنية، خاصة وأن الطبعة جاءت في ظرف استثنائي ومرحلة انتقالية ما بين فترة الركود والانقطاع، إلى مرحلة التجديد وإعادة الحياة للركح المسرحي وقاعات العروض، وأكثر من هذا وفق تصريحات عدد من المبدعين هو «إعادة ربط الجمهور بمحيطه الفني الطبيعي، وإعادة ربط جسور التواصل التي تلاشت لفترة طويلة».
كما حافظت تظاهرة الأيام الوطنية لمسرح الطفل التي تسهر عليها جمعية المسرح البودواوي على حضورها المتواصل بتنظيم الطبعة 14 شهر جويلية الماضي، وعدة تظاهرات ثقافية وفكرية متفاوتة من حيث الأهمية والحضور لا يمكن سردها كاملة، لكن هناك بعض الأحداث فرضت نفسها على المشهد المحلي والوطني، نذكر منها الملتقى الوطني الموسوم «بومرداس الإنسان، الذاكرة والمجال» الذي احتضنته المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية عبد الرحمان بن حميدة، بالتنسيق مع جامعة البويرة، وهذا بمناسبة إحياء الذكرى 67 لاندلاع الثورة التحريرية المجيدة بمشاركة نخبة من الباحثين في ميدان التاريخ، إضافة إلى عدة أنشطة أخرى ضمّت معارض للفن التشكيلي، الصناعة التقليدية والحرف وغيرها من النشاطات الأخرى التي طبعت السنة.
ومن المكاسب الأخرى المهمة التي حققها قطاع الثقافة بولاية بومرداس، هو الحضور القوّي للفرق المسرحية المشاركة في مختلف التظاهرات المحلية والوطنية، نذكر منها حصول جمعية الشعلة للمسرح والسينما على الجائزة الكبرى بالمهرجان الوطني للمسرح الثوري بولاية المدية، فيما سجلت الأفلام الوثائقية حضورها بقوة أيضا على المستوى الدولي بتتويج فيلم تادلس للمخرج صالح بوفلاح بجائزة لجنة التحكيم في المهرجان الدولي لفيلم التراث بدبي شهر أكتوبر الماضي.