أكّد الدكتور دين العربي من جامعة مولاي الطاهر بسعيدة، بأنّ الصّراع بين اللغات أمر طبيعي ما دامت المسألة مسألة بقاء، كما أنّه لا يمكن استثناء لغة ما عن أشكالها التي تتمظهر في طبيعة سياسية ثقافية اجتماعية، قائلا إنّه لو استحضرنا من تاريخ الجزائر الشيء القليل ـ مثلا ـ لتذكّرنا أنّ الاستعمار الفرنسي منذ دخوله إلى الجزائر بدأ في الصراع السياسي والعسكري بهدف بسط النفوذ على البلاد، وكان من مظاهر هذا الصراع صراع اللغة..
أكّد دين العربي أنّ الفرنسية تحولت إلى فرنكفونية، ليس باعتبارها لغة تستعمل للتعبير والتواصل، وإنما بهدف السيطرة والاستغلال وهذا هو معنى مصطلح «الفرنكفونية» ـ يقول المتحدث ـ بمعنى تحوير اللغة من وظيفتها الطبيعية والثقافية إلى وظيفة سياسية بحتة هدفها بسط السيطرة.
وأشار إلى أنّ هذا الصراع يمثّل عادة في هجمات من خارج موطن اللغة، أما أن يتخذ مظهرا آخر مباغتا، كأن تضطر اللغة لصد هجمات أبنائها من الداخل ومن حيث لا يشعرون فهذا الشر بعينه، مستدلا بمثل قديم «يفعل الجهل بصاحبه ما لا يفعل العدو بعدوه»، مؤكّدا في سياق حديثه على اختلاط الرصيد اللغوي العربي الفصيح مع اللهجات المحلية أو مع غيره من اللغات الأجنبية، بدليل أنّ القائمين على هذه اللغة نفسها عاجزون في أحيان كثيرة عن تمييز اللغة الفصحى من غيرها، وبذلك ـ يقول ـ يتم وأد تراكيب لغوية فصيحة يعتقد خطأ أنها ليست من العربية في شيء، حيث قدّم أمثلة عن ذلك، على غرار رفض أحد المعلمين قول أحد تلاميذه «وعندما اقترب السارق من المنزل شافه صاحبه»، فاستغرب المعلم من هذا الاستعمال، واعتبره عامية لا صلة له بلساننا العربي، مؤكّدا المتحدث أن الفعل «شاف» عربية سليمة، حيث يقول الشاعر مزاحم العقيلي: «تـــرائبَ جُـــمّــىً فــى أَســيــلٍ ومــقــلَةٍ * كــمــا شــاف ديــنـارَ الهـرقـلّى شـائف».
وأكّد الدكتور دين العربي أنّ البعض قد يرفض هذا الفعل لعدم وروده في المعاجم القديمة بهذا المعنى، لأنهم يقصدون به «نظر»، على أنّ الصواب عند بعضهم هو «وعندما اقترب السارق من البيت شاهده أو رآه أو أبصره صاحبه»، والحقيقة أنّ معاني الكلمات المشتقة من الجذر (شوف) في المعاجم القديمة والحديثة تدور حول النظر والرؤية والتطلُّع للشيء.
وأوضح دين العربي أنّه لم يعد ضروريا اليوم الحديث عن غالب ومغلوب، على اعتبار أنّ الأمم السائرة نحو التطور، تعي جيدا أن الغلبة غلبة علم وحضارة تتبعها غلبة لغوية بالضرورة، إنما الدور اليوم منوط بأبناء اللغة، أو جحافل اللغويين من أبناء الوطن العربي الكبير كي يتكاتفوا لنشر وعي لغوي يكون كفيلا بالحفاظ عليها نقية صافية.
وفي ما يتعلق بالتحديات التي تواجه اللغة العربية، ترى الدكتورة نعيمة سعدية من جامعة محمد خيضر بسكرة، بضرورة العمل على نشرها في البيئات غير الناطقة بها، كخطوة استباقية فاعلة تضمن لها الحفاظ على ما حققته من انتشار، إلى جانب خوضها مغامرة البحث العلمي الدقيق من أجل الاقتراب من مساحات التفكير العلمي، وتشغيل القدرات الفكرية في اللغة، بهدف إنتاج المصطلح العلمي باللغة العربية في مختلف مجالات المعرفة الإنسانية والاجتماعية والتقنية.
كما أكّدت الدكتورة على تفادي الترجمة الحرفية لأي كلمة أجنبية، والاشتغال على ترجمة المعنى، لتحقّق التفكير الإبداعي المنتج، مشيرة إلى أنّ اللغة العربية تحتاج إلى تيسير سبل تعليمها وتعليم قواعدها النحوية، على اعتبار أنّ التطبيق أسبق وأهم من التنظير.