أنّ واقع اللغة العربية في الجزائر حرج، بسبب وجود عدة مرجعيات لغوية ترتكز عليها السياسة اللغوية في مؤسّساتنا التعليمية والاقتصادية والسياسية، قائلة «هذا ما يؤكّده الصّراع الواقع بين دعاة التعريب ودعاة التغريب ودعاة العامية».
ترى الدكتورة غزلان هاشمي أنّ الابتلاع اللغوي أو الاحتواء الذي هو حاصل أحداث تاريخية معينة ينفلت من ربقة التمركز حول الذات والحديث عن نقاء اللغة، لمنطق التجاوز من خلال التعدد الإستعمالي مع عصر الرقميات وانمحاء الحدود، وهذا ما يجعل العربية، تقول في تصريح لـ «الشعب» في مأزق ويفاقم من تدني مستوياتها في مؤسساتنا التعليمية، وحتى في استعمالاتها في مؤسسات الدولة والمؤسسات الاقتصادية.
وأضافت بأنّ الهشاشة اللغوية التي ابتلينا بها بقدر ما تؤكّد اغتراب الذات واحتكامها إلى الاستعارات التلفيقية في محاولة لإثبات وجودها داخل عالم يحاول تهميشها، فهي تثير فشل المنظومة التعليمية في تعزيز مكانتها، خاصة مع وجود مناهج عاجزة عن احتواء مفاعيلها وعصرنتها وتطويرها بما يوائم التسارع التكنولوجي والإنتاج الرقمي.
وأكّدت المتحدثة على أنّ هناك جهود لا يمكن إنكارها، حتى وإن كانت لا ترقى إلى المستوى المأمول بسبب انحصارها في بعض المبادرات الفردية والمؤسساتية على المستوى الضيق، إلا أنّها ـ تقول ـ أثبتت نجاعتها وقدرتها على ترسيخ الوعي بأهمية اللغة العربية من خلال أنشطة معرفية مركزة وفعاليات تعزز مكانة اللغة العربية، و»هذا نشهده خاصة مع المنظمات الدولية غير الحكومية كالمجلس الدولي للغة العربية والاتحاد الدولي للغة العربية وكذا المجلس الأعلى للغة العربية بالجزائر على سبيل المثال لا الحصر...».
وتتمثّل التحديات التي تواجه لغة الضاد حسب الأستاذة في القدرة الاستيعابية لجملة الظواهر والأشياء، خاصة مع التسارع التكنولوجي، ناهيك عن الاهتمام بالمعلومة على حساب الصياغة الجيدة، مشيرة إلى أنّه عبر وسائل الإعلام اليوم والمواقع الإخبارية تنتشر لغة تصل إلى حد الابتذال وتفتقر إلى أدنى معايير الجودة، وهذا ما يؤكّد على ابتلاع اللغة في مقابل المعنى.
كما أرجعت غزلان هاشمي أيضا التحديات إلى العزوف عن القراءة بسبب نظام يضفي إلى إضعاف قاموسنا اللغوي والقدرة الحوارية من خلال تغييب لغة الحوار، وتعويضه بالتواصل الرقمي الصامت الذي يختزل الحديث في أيقونات أو لغة هجينة بين الرقم والحرف الأجنبي والعربي، ما يسبّب ـ حسبها ـ عجزا في عقلنة اللغة وعرقلة في صيرورتها التي يفترض أن تتوجه نحو الجودة، وتعزيز مكانتها وفرض إمكاناتها المتعددة لا العكس، وكذلك الصورة النمطية التي تركب حول المتحدث باللغة العربية الفصيحة، والتي كرّسها، من منظور المتحدثة، الإعلام وعزّز وجودها في المدرك الاجتماعي، حيث تمّ تصويره في الأفلام والإعلانات الإشهارية..، بنوع من الانتقاص والدونية الذي يضفي إلى السخرية منه وزحزحة مركزيته والتشكيك بأهميته، وقالت «يسانده في ذلك خطاب سياسي يمأزق الوضع من خلال الاحتفاء باللغات الأجنبية في المنابر الرسمية والتجمعات، على اعتبار أنّها لغة التحضر ولغة الطبقات العليا، وهذه النظرة القيمية تعزّز النظرة الانبهارية بلغة الآخر واعتبارها رمز المجتمعات الراقية»، مؤكّدة بأنّ كل هذه التحديات مجتمعة تواجه اللغة العربية ومستعمليها، وتفرض عليها تكثيف الجهود من أجل انتشالها من خطر التلاشي.
الدكتورة هاشمي غزلان أثنت على مبادرة التطوع اللغوي، الذي اعتبرته بادرة مهمة تفرضه التحديات المعاصرة، خاصة ما تعلق بالانفتاح على الآخر وما استتبع ذلك من التأثر به، وتلقي خطاباته الفكرية والثقافية بكل حمولاتها الإيديولوجية وتحيزاتها المضمرة، دونما تمحيص أو حذر أو مراجعة، مشيرة إلى أنّها تسهم في تعزيز الانتماء وفي ترسيخ الاعتزاز بها من خلال التوسيع من استخدامها وتداولها، والتأكيد على جعلها لغة الخطابات الرسمية في المؤسسات الحكومية والخاصة، وفي المنابر الإعلامية وعلى اللوحات الدعائية وغيرها..، وهذا كله ـ تقول ـ من شأنه أن ينتشلها من محاولات الطمس والتهميش والإقصاء، ويعيد لها حضورها وفاعليتها وتوهّجها.