افتتح، أمس، بالمكتبة الوطنية الجزائرية، منتدى الترجمة الأدبية والتاريخية في الجزائر “واقع وآفاق”، من تنظيم الوكالة الوطنية للإشعاع الثقافي وبمشاركة مجموعة من الأساتذة، تناولوا واقع الترجمة الأدبية والتاريخية في الجزائر، والتحديات التي ينتظرها الباحثون والعاملون على هذا الاختصاص الهام.
يعكف المنتدى على دراسة حقلي الترجمة الأدبية والترجمة التاريخية بسرد ما أنجز منها، وما ينبغي فعله لترقية الفعل الترجمي لتتجاوز الحلقة الدائرة جزائري / جزائري، مع وضع الترجمة في حقلها المتعدّد الأبعاد، أي الترجمة من ثقافات العالم المتنوعة لمزيد من الرقي المعرفي وخدمة للغة العربية، مع المساهمة في التعريف بالأدب والتاريخ الجزائري بترجمتهما إلى لغات أجنبية.
كان عنوان المداخلة الأولى التي قدّمها الدكتور عبد القادر بوزيدة “الترجمة في الجزائر معطيات وقضايا”، حيث عالج فيها جملة من المعطيات المتوفرة ونوع الأعمال المترجمة وبعض الدراسات حولها، إضافة إلى التصنيفات التي وضعتها تلك الدراسات والتطور الحاصل من حيث نوعية الترجمة، وكذا بعض المصادر التي أهملتها هذه الدراسات، والتي من شأنها أن تفيد في توفير معطيات غير معروفة بالقدر الكافي.
ومن جهته، نوّه بوداود عمير في محاضرته الموسومة بـ«حاجتنا الماسة إلى الترجمة خدمة لثقافتنا الوطنية وتاريخنا”، “إلى الحاجة الماسة للترجمة في الجزائر من اللغة العربية أو إليها، وذلك أن ثقافتنا المتنوعة الضاربة جذورها في أعماق التاريخ وتاريخنا الحافل بالبطولات والأمجاد يستوجب ذلك”.
وأضاف ذات المتحدّث، بأنّ الجزائر بالرغم من إمكانياتها المادية والبشرية، وتواجد نخبة من المترجمين الجزائريين المتميزين، أثبتوا كفاءتهم وقدراتهم في حقل الترجمة، تبدو متأخرة قليلا عن ركب الترجمة، بالقياس فقط إلى بعض الدول العربية، فضلا عن الدول المتقدمة التي قطعت أشواطا كبيرة في هذا المسعى الحضاري، وقال أيضا بأن عدم إيلاء الترجمة الأهمية التي تستحقها، ضيّعت الكثير من الأشياء الثمينة في السياسة والأدب والتاريخ، والتي كانت ستقدّم إضافة حقيقية للذاكرة، تفيد الأجيال المتعاقبة.
في حين تناول الدكتور عبد الرزاق عبيد في محاضرة عنوانها “رهانات المعادلة اللسانية والثقافية في الترجمة الأدبية”، رهانات المترجم وذلك من خلال سعة المهمة الملقاة على كاهله، كما حدّد في مداخلته بأنه يجب على المترجم قبل الشروع في الترجمة أن يلم قدر الإمكان بحياة المؤلف، والحياة السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية للزمن الذي كتبت فيه الرواية. أما عن الرّهانات اللسانية التي حددها ذات المتحدث، فلقد ربطها بأربع مستويات منها ما هو على مستوى المفردات الفصيح والعلمي، ومنه ما هو على مستوى العناصر النحوية والصرفية. وفي ذات السياق، قدّم الأستاذ جمال لاصب محاضرة تحت عنوان “الترجمة من وإلى الأمازيغية”، مشيرا إلى تحديات المترجم، إضافة إلى واقع الترجمة من وإلى الأمازيغية التي استعرض من خلالها إلى ما ترجمه من مؤلفات عديدة مثل روايات لمحمد ساري، الروائي والمترجم وواسيني لعرج ومولود فرعون ومولود ومعمري.
كما حاول الإجابة عن إشكالية كيف لأدب حديث النشأة أن ينال مكانته في ساحات الترجمة إلى لغات عالمية، كما جاء على لسانه في ذات السياق: “في زمن انحطاط الكتابة وضيق رقعتها أمام منصات شبكات التواصل الاجتماعي، وتراجع مكانة الكتاب بشكل عام، كيف المترجم أن يبتكر طرقا جديدة فعالة لتأدية مهمته..إذ لابد عليه من التفكير في الوقت الراهن عن بدائل إستراتيجية تخدم المجال، أي مجال الترجمة، وذلك نظرا للأعمال الكثيرة التي تحتاج إلى من ينفض عنها غبار الزمن وتراكم الغبار عليها في المكتبات” .
ونوّه الأستاذ بوطغان محمد في محاضرته “تجربتي في ترجمة الأدب الجزائري والإفريقي”، إلى الظروف الاجتماعية والثقافية والسياقات التاريخية والسياسية لجيله والأجيال السابقة التي احتاجت له معايشة نصوص أدبية وتاريخية كثيرة متعدّدة في تجليات متعددة مختلفة محكية ومكتوبة، وضمن رمزيات أخرى في لغات متنوّعة وخاصة اللغة الفرنسية، حيث قال في هذا الصدد: “عايشت نصوصا أدبية كثيرة مكتوبة بالفرنسية بأقلام أدباء جزائريين وغيرهم مثل محمد ديب، حميد ناصر خوجة، جان سيناك، أمين الزاوي وقمت بترجمتها إلى العربية محاولا مقاربة عوالمها ومعالمها”.
وتجدر الإشارة، إلى أنّه تمّ على هامش المنتدى تكريم كل من الرّوائي جيلالي خلاص صاحب رائعتي “خريف رجل” و«رائحة الكلب”، والروائي أحمد بن محمد بكلي صاحب مؤلفات إبداعية منها “حديث الصمت” التي تناول فيها المجتمع الإباضي، كما عرف الحدث تنظيم معرض لكتب تشرف عليها الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي.