أثار الكتابة في الرواية التاريخية، واسيني الأعرج:

«عبث البحث عن صدقية التاريخ فيها

نورالدين لعراجي

أثار الروائي العالمي واسيني الأعرج مسألة جوهرية تتعلّق بمسار الرواية التاريخية الموزع على شقي المعادلة الإبداعية، الخيال والحقيقة وباعتبار أن الخيال عند الروائي أمر «مقدس»، عكس الحقيقة التي هي في نظره مجال للانتهاك يمكن تجاوزها والتعدّي عليها بمنظور أدبي وفني، إلا أن هذه المعادلة بالنسبة للمهتم بالتاريخ سواء كان مؤرخا أو ناقدا تاريخيا للأحداث فالمسألة جدية ومخالفتها هو الأساس الصحيح، الأمر الذي يطرح سؤالا كبيرا، ما «يضع الرواية التاريخية اليوم سواء عربياً أو عالمياً في حالة إحراج من خلال الجمع بين التاريخ بوصفه مادة ثابتة وعلمية وأدبية، بالإضافة إلى أنها ترتكز بالدرجة الأولى على الافتراضي والتخيلي، ملامسا في طرحه الإشكالات العلمية».
أثار أستاذ الأدب العربي بجامعة السوربون واسيني الأعرج في تغريدة له حول مآلات الرواية التاريخية أو عندما تطرح هذه المسألة في أفق إعادة إنتاج التاريخ، فكأن الرواية بالنسبة إليه «مجرد حيلة لتمرير مادة مستعصية على القارئ لكونها جافة، فالرؤية التاريخية تطورت عالمياً بسرعة، لدرجة أصبح التاريخ فيها مجرّد ظلال وغيوم عابرة، مخلفة وراءها حكاية، أي الرواية بوصفها نصاً أدبياً بالدرجة الأولى، بكل المغريات الأدبية التي تفرضها الكتابة الإبداعية ووسائطها».
وأوضح صاحب رواية «مملكة الفراشة»، أنه من العبث البحث عن صدقية التاريخ في الرواية لأن الذي يجعل من الأدب داخل الرواية التاريخية هو الوسيلة المثلى لدحر التاريخ نفسه بيقينياته، والاحتفاظ فقط بما يخدم الأدبية وليس شيئاً آخر، مستدلا في ذات الأمر بما يؤكده الروائي البريطاني ذو الأصول الباكستانية، طارق علي الذي اختص في الرواية التاريخية، وفق رؤية تنتصر للتخييل في النهاية، بل تقدّسه حسب ما جاء على لسانه «الخيال عند الروائي مقدس، والحقيقة مجال للانتهاك، ولا بد أن العكس صحيح عند المؤرخ»؛ إذ يحتمي التاريخ بما هو حقيقي بين قوسين، في حين تشكّل مساحات التخييل المجال الحرّ والمفتوح للرواية.
وفي ذات السياق، أكد واسيني الأعرج  بأن الصرامة تلتقي مع الحرية على ضفاف أرض ثالثة، لا هي أرض التاريخ، ولا هي أرض الرواية بوصفها تخييلاً عاماً وهذا حسبه «لا يمنع من أن تكون علاقة التاريخ بالرواية علاقة وطيدة، وعلى العكس من التاريخ وتفرعاته العلمية التي تختص، كما نعرف، بدراسة وتتبع مجموع الأحداث التي تميز حركية الإنسان في الزمن وترصد مجرياتها» وصولا إلى قوله «تنحو الرواية منحى آخر يتسم بالحرية في الإبداع حتى ولو تعلق الأمر بدفع التاريخ نحو الخلفي».
كما شدّد واسيني في طرحه النقدي انطلاقا من قاعدة معروفة وهي أن «التاريخ لا يهتم في النهاية إلا بالأحداث التي ترسّخت وتشبثت بالاستمرار، فتركت حضوراً قادراً على البقاء وعلى التأثير في الإنسان اللاحق لهذا التاريخ، وهذا الأخير بذلك يقف على الطرف النقيض من الرواية» ليتساءل في الأخير، كيف يجتمعان في أرض واحدة؟ فأساس الرواية بشكل مجرد، لغتها ومتخيلها الذي تنشئه ولا ينتمي إلا لها.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024