من معلم تاريخي إلى إســطـبـل لـلـمـاشـيــة

«معهد سيدي الوردي» ببسكرة بحاجة إلى رد إعتبار

بسكرة: عمر بن سعيد

لم يتبق من مبنى «معهد سيدي الوردي» إلا جدرانه الخارجية، وأقواس المسجد وضريح صاحب المعهد، ورغم أن وزارة الثقافة معنية بمهمة إعادة الاعتبار للمآثر التاريخية، خاصة الثقافية والتي كان لها دور في الجهاد الثقافي فإن مديرية الثقافة والفنون ببسكرة ما تزال تقف في صمت وعلى مسافة بعيدة من هذه الكنوز التي طالتها الأيادي السوداء، وإهمال ولامبالاة السكان الذين سمحوا للرعاة باستعمال هذا المعلم التاريخي  إسطبلا للمواشي.  
كان التعليم باليانة يتمّ بمسجدي سيدي المبارك وسيدي «بوسبع حجات»، وهما مسجدان لعبا دورا محوريا في التعليم العربي وتخرج كوكبة من العلماء وطلاب العلم تحت لواء الطريقة الرحمانية، التي كانت منتشرة في المنطقة ولها أتباع كثيرون.. ويلاحظ أن حالة المسجدين حاليا لا تنبئ على وجود نهضة علمية، حيث اختفت معالم مسجد «بوسبع حجات» نهائيا وتمّت سرقة أعمدة رخامية لا يعلم أي أحد أين وجهت، وكيف نهبت، وهي تزن عدة أطنان، أما مسجد سيدي المبارك فهو آيل للسقوط بفعل الإهمال وتأثير العوامل الطبيعية، وتجاهل الجهات المعنية بالولاية لهذين المعلمين.                                                                 
في نهاية القرن التسع عشر الميلادي تأسّس معهد سيدي الوردي، وكان للمعهد مكتبة عامرة ببرج سيدي الشيخ المجاور للمعهد، والذي حول خلال الثورة التحريرية المباركة إلى ثكنة عسكرية ومركز رهيب للتعذيب، ومراقبة تحركات المواطنين، حيث تمّ جمع سكان قرى اليانة وبادس والقصر في هذه البلدة التي تحوّلت إلى سجن كبير، وقد اندثرت المكتبة بعد مغادرة الشيخ الطيب بن الأزهري القيم عليها نحو بسكرة ثم خنشلة رفقة أبناء أخيه سنة 1910.
وقد عرفت «اليانة» طريقة التصوّف المدينة، نسبة لأبي مدين وبقيت إلى أواخر القرن الـ19الميلادي، بعدها قدم إلى اليانة الشيخ محمود بن عبد الحفيظ الذي شرع في نشر الطريقة الرحمانية وفتح فرعا لها، تحول فيما بعد لمعهد يحمل اسم سيدي الوردي بن محمود والذي يوجد ضريحه لحدّ الآن ببقايا المعهد، وقد لعب المعهد المذكور دورا بالغ الأهمية في التدريس والتي شارك فيها شيخان من «نفطه» بمنطقة الجريد التونسية، وهما الشيخ سالم والشيخ حامد، إضافة إلى الشيخين على بن ناجي اللياني وعلي بن إبراهيم العقبي، وتخرج من أروقة المعهد أقطاب علم ودين منهم الشيخ العربي التبسي والشيخ مولود الزريبي والشاعر بن رحمون وزهير الزاهري وغيرهم..
خلال ثورة التحرير الكبرى توقف نشاط المعهد، واختفت مكتبته العامرة، وبقي بعد التحرير واسترجاع السيادة الوطنية شامخا إلى أن امتدت إليه الأيدي السوداء، وتمّ نزع خشب سقفه والاستيلاء على محتوياته وتحويله في نهاية المطاف إلى إسطبل ماشية، بعد أن ظلّ لعقود ملاذ لطالبي العلم وقلعة صمود في وجه المستعمر، يحافظ على اللغة العربية والدين الإسلامي، حتى قيل أنه لم يكن بالقرية أي أمي فالكل يحسن القراءة والكتابة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024