أطمح لاكتساب سمعة إلى جانب كبار الكتّاب
اكتشفته دار النشر اللبنانية «الشهاب»، في معرض للكتاب بالقاهرة، وأبدت استعدادها لترجمة رواية «دواوين صماء»، لم تغفل دار النشر العربية عن مرافقة النابغة وتبني حبره النازف حماسا، حيث لم يكن بلقاسم بعفويته وبساطة نشأته في أسرة بسيطة بحي شعبي يتخطفه الفقر من كل جانب، أن يصبح مشروعا أدبيا لأهم دور نشر عربية، مكنته من الحصول على منحة لإكمال دراسته وتطوير ملكاته الأدبية في أوروبا.. وهو الفتى النابغة الحالم، الذي تخلت عنه أيدي السلطات المحلية وأفلتته إلى الضفة الأخرى من المتوسط مهاجرا. في هذا الحوار يفتح الروائي الشاب بلقاسم بوزبوجة قلبه لـ»الشعب» متحدثا عن مسيرته الفتية المليئة بالطموح والتطلعات والعثرات!
- «الشعب:» حدثنا عن نفسك؟ وماذا تمثل الكتابة بالنسبة لك؟
بلقاسم بوزبوجة: أنا شاب من الجزائر العميقة، في 18 من العمر، اجتزت شهادة البكالوريا شعبة العلوم التجريبية ونلت معدل 14، تم توجيهي للمدرسة العليا للأساتذة، وكنت أظنه تخصصا يلائم تطلعاتي لمسيرتي المهنية المستقبلية، ويسمح لي بتجاوز العقبات المادية التي تعثر مسيرة أي شخص ينحدر من أسرة متوسّطة الدخل، رغم تحوّل مساري الدراسي بعد ذلك إلى وجهة أخرى بفضل دعم لدار نشر عربية.
لا أعتبر الكتابة مشروع حياة، إنما هي جزء من حياتي، لا أميل إلى الأدب الاقتصادي لأنني اعتقد أن الأدب أسمى من الماديات ويحمل رسالة إلى المجتمعات.
- على ذكر الأدب الاقتصادي هل فكرت في التوجّه إلى كتابة السيناريو، أو تحويل رواياتك إلى أعمال فنية سينمائية أو تلفزيونية؟
بطبيعة الحال أطمح لأن تحقق كتاباتي نجاحا باهرا، سواء من خلال الاضطلاع عليها من قبل القراء، وحتى تحويلها لأعمال سينمائية لما لا! لكن ذلك يواجه مشكل الإمكانيات المادية، صحيح أنني أطمح حاليا إلى تحسين وضعي المادي كشاب مقبل على الحياة واكتساب سمعة أدبية إلى جانب كبار الكتّاب والروائيين.
- حدثنا عن مسيرتك الأدبية ورصيدك في عالم الرواية؟
لديّ ثلاث روايات، أولها دواوين صماء، ألفتها في الطور المتوسط وقتئذ كنت مازلت تلميذا، ونلت تكريما من طرف مديرية التربية لمعسكر، تمثل في جهاز كمبيوتر، أعانني كثيرا في مشواري الأدبي لدرجة أنني تمكّنت من إنتاج رواية أخرى بعد ثلاث أشهر من الإصدار الأول.
رواية «دواوين صماء» ورواية «أمنيات من غمد العدم»، كلتاهما تتحدثان عن قضايا المرأة والطفل والعنف الأسري، بحكم مستواي الفكري ورغبتي في إحداث التغيير على المجتمع الذي أنتمي إليه، وانتقلت بعدها إلى كتابة رواية «ذاكرة أيلول»، وهي رواية ستكون حاضرة في المعرض الدولي للكتاب، بعد أن حقّقت نجاحا في حملة استقصائية بمعرض فرعي للكتاب نظمته دار المثقف حول أكثر الكتب اهتماما، وأتوقع لرواية ذاكرة أيلول النجاح بحكم أنها تسلّط الضوء على مرحلة تاريخية مهمة للجزائر، فترة العشرية السوداء وتمزج بين البعد التاريخي والعاطفي.
- هل تقصد أنك كتبت رواية عن فترة تاريخية لم تعشها؟
ذلك مكمن سحر الأدب والشغف به، فأنا لم أعش المرحلة ولا أعرف عنها الكثير، عدا ما قرأته أو سمعته من قصص حول المرحلة السوداء، والرواية من النوع الكلاسيكي المعاصر تتحدث عن كاتبة ارتبطت بصحفي له توجّه تحرري، تعرضت للكثير من الخيبات لاسيما بعد وفاة والدتها واغتيال رفيق حياتها، فقرّرت أن تعيش حياتها مع كائنات «حبرية».
- يبدو أنك مبدع وواسع الخيال ودقيق الاختيار، لاسيما من حيث اختيار عناوين لرواياتك وحتى اختيار دور النشر! كيف صقلت كل هذه القدرة في عمرك الفتي؟!
مسيرتي الأدبية الفتية لم تكن سهلة في غياب الإمكانيات وشحّ مصادر الدخل، غير أن تكويني الكشفي والخبرة التي اكتسبتها من مشاركاتي في المسابقات والمحافل الأدبية العربية والوطنية مكنتني من التقدم، فبدايتي لم تكن بكتابة الرواية وأنا تلميذ في الطور المتوسط، بل قبلها بفترة كانت لي تجربة في كتابة القصص الموجهة للأطفال بمجموع 80 قصة صغيرة، في أدب الطفل شاركت ببعضها في مهرجان «أقلام بلادي» التي استفدت منها كثيرا وصقلت من خلالها قدراتي في الكتابة الأدبية، وكبر بعدها طموحي الأدبي في المخيم العربي للكشافة بالجزائر، حين افتكيت المرتبة الأولى في كتابة بحث حول أهداف التنمية المستدامة.. يمكنني القول أن هذا المخيم كان فرصة لتنمية طموحي والارتقاء به في سماء الرواية.
أما عن اختياري لدور النشر فلم يكن محل صدفة، إنما نتاج تميز الأعمال الأدبية والروائية التي قدمتها في ثلاث روايات متابعة، حظيت باهتمام دور النشر منها دار المثقف الجزائرية والشهاب اللبنانية التي أبدت استعدادها لترجمة رواية «دواوين صماء» إلى اللغة الفرنسية وعثرتني الإمكانيات المادية في ذلك.
- ما تصوّرك حول تراجع المقروئية وما هي رسالتك كشاب مبدع؟
أعتقد أن تراجع المقروئية محنة يتخبط فيها مجتمعنا، تقع مسؤوليتها على الجميع بداية من الأسرة إلى المسؤولين، مقابل المد التكنولوجي الرهيب الذي يسيطر على الأفراد والمجتمع، بفعل الاستعمال الواسع للهواتف الذكية والوسائط المعلوماتية بطريقة هادمة للفكر، أنصح أبناء جيلي الناشئ بالتفرغ للمطالعة ونهل العلم، لأنه بالقراءة والمطالعة نحرّر فكرنا ونبني مجتمعنا ونتوجه إلى الجزائر الجديدة، التي لا أتصورها مشروع سياسي فحسب، إنما مشروع عميق لا بد أن نسهم جميعا في إرسائه بالعلم، فالمطالعة تعطينا نوع من النضوج الفكري والثقافة الجماعية وتغير من تفكيرنا النمطي وتغير من منهج حياتنا إلى الأفضل.
كما تنطلي على السلطات المسؤولة مسؤولية كبيرة لتشجيع المطالعة ورفع نسبة المقروئية، من خلال تخصيص فضاءات للمطالعة بالمؤسسات التربوية، التي تحتوي على حيز ضيق من الكتب التعليمية ولا مجال فيها لكتب المطالعة، كما اعتقد أن المؤسسات التربوية حاضنة للكثير من المواهب والنوابغ لابد من الاهتمام والعناية بها.
- ما هي أكبر طموحك؟
وأنا أسعى إلى النجاح، متشبثا بأحلامي، يراودني التفكير بأهلي وهؤلاء من آمنوا بقدراتي ودعموا خطواتي الأولى في عالم الكتابة، على غرار أساتذتي وقادتي في الكشافة الإسلامية التي هي بيتي وأسرتي الثانية، أتمنى كثيرا أن أعوض والداي تعبهم وشقاء عمرهم، أعتز بما وصلت إليه بفضلهما، حيث أنهما غذيا حلمي بأن أصبح كاتبا.. كان لهما أن يحرماني من لذة التجربة والمحاولة بالنظر للوضع المادي والاجتماعي للأسرة، أو توجيهي للحياة العملية لأعيلهما على مصاعب الحياة لكنهما آمنا بي، وأتمنى من كل قلبي أن أستطيع إسعادهما.