ارتبطت الثقافة كظاهرة ابستمولوجية معرفية ونقدية بالمكنونات الداخلية للفعل الثقافي لما له من تأثير مباشر على الجمهور، «الأخر» ومن خلال هذه المعادلة المعرفية العلمية يترك الفعل الثقافي أثره واضحا جليا للعيان، وقد يختلف الأثر من موضع إلى آخر، بحسب قدرة الاستيعاب والتجاوب على رأي «لالاند «، وبالتالي درجات التواصل تبقى متباينة بين المتلقي والمرسل نتيجة ظروف وتراكمات.
المشهد الثقافي اليوم بعيد عن عواصف كورونا يترجل ثقافيا من خلال الفعاليات التي تقام هنا وهناك، عبر ولايات معينة أصبحت هذه الأخيرة فاعلا أساسيا في المعادلة الثقافية وتجدها من خلال النشاطات المتنوعة تصنع فعلا مميزا، لكن يقتصر جمهوره على فئات عمرية معينة دون غيرها، ولا يمكن استقطاب شرائح أخرى في المجتمع، وهنا يطرح السؤال، كيف نعيش الفعل الثقافي إراديا دون الحاجة إلى إيعاز أو تنبيه من أية جهة أو وصاية؟ وبصورة أوسع توضيحا متى تصير الثقافة سلوكا مرادفا ليوميات الناس، مثلها مثل التفكير في المأكل والمشرب واللّباس؟
للبحث عن الإجابة ونقل الأجوبة من وراء عزوف الجمهور عن مرافقة المشهد الثقافي بصفة عامة، يقود الحديث إلى محطة مهمة من تاريخ الحركة الثقافية، التي كانت إلى زمن قريب تصنع جمهورها بنفسها من خلال النشاطات المتنوعة، فكان المسرح جامعا فعليا وكان محجا للعائلات الجزائرية بمختلف فئاتها العمرية، فلا يكاد المشاهد أن يعثر على مقعد شاغر بقاعة مسرح، لأن الأماكن محجوزة أسبوعا قبل العروض، فيلجأ القائمون على الركح إلى اعتماد طريقة أخرى وبرمجة ثلاثة عروض عبر ثلاث قاعات أو أربعة مهيأة وجاهزة على سبيل الذكر «المسرح الوطني، الموقار، ابن خلدون، حريشاد» أو «موقادور « وكلها تنظم عروضا مسرحية جديرة بالمتابعة، لأنها صارت من يوميات المجتمع، لما لها من دور نفسي وتثقيفي في الترويح وتهذيب الروح، وتبقى المبادرة في مرافقة الفعل الثقافي صمام الأمان تصنع وثبتها بخطى ثابتة، رسالتها التميز والتواصل مع الجمهور.