في إطار النّشاطات الثقافية المبرمجة لإحياء الذكرى الـ 67 لاندلاع الثورة التحريرية 01 نوفمبر 1954 تحت شعار “أمجاد على خطى الأجداد”، يحتضن المتحف العمومي الوطني للزخرفة والمنمنمات وفن الخط، معرضا فنيا للخطاط طالب محمود، تحت عنوان “سلام الله عليك يا وطني”، كما تمّ على هامش الحدث الذي يستمر إلى غاية 14 ديسمبر المقبل، تخصيص جزء من اللوحات لفئة المكفوفين المعروفة بحسّها وبصيرتها الفنية، كي يتسنى لها اكتشاف فن الخط المعاصر، وذلك من خلال حاسة اللمس.
تزيّن قصر مصطفى باشا “المتحف العمومي الوطني للزخرفة والمنمنمات وفن الخط”، بخمسين لوحة فنية تشكيلية، حوت في مضمونها أمثالا وحكما وأقوالا توحي إلى الانتماء الديني وحب الوطن والجمال، تفنّن في تصميمها الفنان والخطّاط الجزائري العالمي محمود طالب، حيث لخّص من خلالها مسيرته الفنية التي تجاوزت أكثر من عشرين عاما، أين تفرّغ فيها للعمل الفني بجميع أنواعه من رسم ونحت وخط، كما تضمّنت أعماله “جدارية” أنجزها بمناسبة دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط، التي ستستضيفها ولاية وهران، إلى جانب قطع ديكور فنية تمثلت في مجسمات أنيقة زادت من رونق وجمال المعرض.
في كلمتها الافتتاحية لفعالية هذا المعرض الفني الذي أنجزه أحد كبار الفنانين الجزائريين محمود طالب، ذكرت مديرة المتحف ركاب نجاة هجيرة، بأنّ هذا المعرض يندرج ضمن النشاط السنوي للمتحف كمؤسّسة ثقافية علمية، تعمل على تثمين التراث الثقافي الجزائري المتنوّع من خلال التعريف به، وتقديمه لكل شرائح المجتمع بوصفه من أهم اللبنات التي يعتمد عليها في بناء المجتمعات اليوم.
كما عبّرت في سياق كلمتها، عن حسن اختيار الفنان في أعماله، الذي جمع فيها بين الخط والنحت، لاسيما تناسق الألوان وذلك بتداخل وتعانق الحروف فيما بينها، بتقنية تحرر فيها من القيود والقواعد الكلاسيكية إلى عصرنة المادة لكل ما هو جميل، وجعلها كأيقونة فنية نادرة من نوعها، خاصة تلك الأعمال التي خصّصها لفئة المكفوفين الذين استحسنوا الفكرة وكانوا أكثر الحاضرين إلى المعرض.
وعن الحدث، صرّح الخطّاط والفنان التشكيلي محمود طالب لـ “الشعب”، بأنّ فكرة عنوان المعرض استمدّها من جدّه، الذي كان يعمل مدرّسا وذلك أثناء مزاولة تعليمه القرآني بالمسجد، حيث كان هذا الأخير يقوم بجانب تحفيظ كتاب الله للنشء، تعويدهم على فن الخط والكتابة في الألواح، وكان في كل مرة يكتب حكمة أو مقولة، مشيرا إلى أنّ من بين المقولات التي رسخت في ذهنه هي “سلام الله عليك يا وطني”، وهو ذلك العنوان العريض الذي توسّمت به السلسلة المعروضة بالمتحف العمومي الوطني للزخرفة والمنمنمات وفن الخط، والذي يحمل دلالة واضحة المعالم بل ويراها كل كفيف، تنمّ عن حب الوطن الذي يعيش في شهر أجبر العالم على الانحناء له احتراما وتقديرا، وذلك تخليدا لثورة ولدت من رحم البطولات.
وفي ذات السياق، أضاف المتحدّث بأنّه اعتمد في الأعمال المعروضة على تقنية مزج فيها بين فن الرسم والنّحت، وذلك من خلال الألوان الزيتية، كما جاء على لسانه بأنّه قد تفرّد بهذه التقنية عالميا، وهي تقنية تسمح لذوي الاحتياجات الخاصة فاقدي البصر من اكتشاف محتوى أعمال مخصّصة وتطلّعات حسهم العميق بفن النحت، في التفاتة منه في إشراك هذه الفئة في التعريف والتمتع بمضمون لوحات، لم تأت بطريقة البراي، بل أتت بطريقة مميزة، وجّه من خلالها الحروف العربية المجسمّة المنحوتة في تضاريس لوحات تجريدية خطية، ستظل طيلة شهر كامل وجها لوجه أمام حاسة اللمس لديهم.