القاص زيـن الديـن بومـرزوق لـ “الشعـــب”:

ترشّـح المثقّــف للانتخابـات حــق يكفلـــه الدّستــور

حوار: حبيبة غريب

 اعتبر القاص زين الدين بومرزوق، أنّ دخول المثقّفين معترك الانتخابات المحلية بقوة، ظاهرة صحية كم كانت الساحة السياسية أحوج إليها، مشيرا من خلال الحوار الذي خصّ به “الشعب” إلى الأسباب ونقاط الضعف والقوة التي على النخبة أخدها بعين الاعتبار، إذا ما أرادت أن يكون لها مكان في المجالس الشعبية والولائية بعد استحقاقات 27 نوفمبر الجاري.
-   الشعب: تسجّل السّاحة السياسية هذه الآونة دخول المثقّفين بقوّة معترك الانتخابات، هل هي العودة بعد غياب طويل؟
زين الدين بومرزوق: أشكركم على هذه السّانحة للحديث فيها من خلال جريدتنا الموقّرة “الشعب” عن علاقة المثقف بالسياسي أو علاقة المثقف بالعمل السياسي، وانخراطه في النشاط الحزبي وماله وما عليه.
أولا يجدر القول إنّ هذه العلاقة اتّسمت منذ زمن طويل بالتجاذب والمواجهة إلى حد القطيعة تارة، وتارة أخرى بالانسجام، ومرد ذلك هو المصالح التي يسعى إليها كل طرف، ولنا في التاريخ العربي نماذج تحاكي وتعكس طبيعة هذه العلاقة.
قد نقول إنّ القطيعة والمواجهة بدأت مع عصر النهضة، وبروز دور المثقف ضد الاحتلال أولا، ثم مع الأنظمة المستبدّة التي استولت على السلطة خاصة في العصر الحديث، ولنا في ذلك تجربة محمود سامي البارودي الشاعر والعسكري والسياسي والحاكم ورائد مدرسة البعث والأحياء.
فعندما حاولت شخصية الشاعر التمرد على شخصية السياسي نُفي خارج الوطن، وتوبع بالخيانة مما يدل على سطوة السياسي على كل ما هو ثقافي، وهذا لما يملكه السياسي من قوة ونفوذ وأدوات حاسمة لا تتوفر لدى المثقف الذي لا يملك إلا الكلمة. نلاحظ حاجة السياسي للمثقف شاعرا كان أو فنانا أثناء الثورة، ليكون لسان حالها في المنابر ومدافعا شرسا على أفكار الثورة ورجالها من السياسيين ومروجا لأفكارهم.
وبعد الثورة يحال هذا المثقف بعيدا عن اهتمامات السياسي، حينها يكون دوره قد انتهى ممّا يجعل العلاقة دوما في صدام، وتعاد هذه العلاقة مجدّدا ويظهر المثقف على لسان السياسي في المواعيد الحاسمة مثل الانتخابات، حيث يبرز اسم المثقف كعنوان مهم في الحملة الانتخابية، وتوجه له الدعوات للمساهمة مرة أخرى في إنجاح هذه المواعيد، سواء بدعوة المثقف أن يروّج ويدافع عن هذا المكسب الديمقراطي، أو بوضع اسمه ضمن القائمة الانتخابية لتوظيف مكانته لدى الجمهور، وخاصة الطبقة المثقفة لكسب أصواتها دون أن يرتب ضمن الأوائل لكسب مقعد قيادي في ما بعد الانتخابات وما تفرزه من نتائج. وهنا نحمل المسؤولية كاملة للمثقف الذي رضي بأي مكانة يوضع فيها.. والمؤسف أنّ ترتيب المثقف عادة نراه يتذيل القوائم الانتخابية بالمقارنة مع الفئات الأخرى.
والمخجل أن يدافع هذا المثقف على برامج أحزاب لم تولي للثقافة والفنون أي حيز، ولو صغيرا في برامجها الانتخابية.
- هل يمكن القول إنّ الصورة التي قدّمتها تنطبق على كل المثقّفين المترشّحين؟
 هنا يجب التفريق بين المثقف المنتمي والمثقف اللاّمنتمي، الملتزم بأفكاره وقناعاته أنّ الثقافة لن ولا يمكن أن تكون يوما تحت جبة السياسي، فالمثقف برنامجه وحزبه هو الإنسان، الحرية، الجمال والعدالة. وهي ظاهرة إنسانية لا علاقة لها بالعرق والجنس والأوطان، فخلال حرب التحرير وفي أوجها وجدنا المثقف الفرنسي يقف إلى جانب الحق وشرعية الثورة الجزائرية وعدالتها ضد مواقف السلطة الاستعمارية الفرنسية التي ينتمي إليها، ولنا في شخصية الفيلسوف فرنسيس جانسون، الطبيب النفساني فرانس فانون، الصحفي هنري مايو، أستاذ الرياضيات موريس اودان.. فمواجهة المحتل كلفهم الكثير، القتل، السجن، التشرد.
وبخصوص دخول المثقف معترك الانتخابات أعتبرها مسألة شخصية، وحرية تخص المثقف كمواطن حر وهو يمارس حقه الشرعي الذي خوّله له القانون، وممارسة للمواطنة التي لا تتجزّأ ونظرة المثقف لوسيلة التغيير التي ينشدها كل واحد.
وبالتالي يجب احترام هذه المبادرة التي نعتبرها إضافة طيبة قد تحمل الفعل السياسي، وتبقى مسألة وقت ومدى تأثير هذا المثقف في المشهد السياسي أمر نسبي يختلف من مثقف إلى آخر.
- هل هو التّغيير الذي جاء به الحراك، أم هي صحوة النّخبة واستيقاظها، أم هناك أسباب أخرى؟
 أكيد هو التّغيّر الذي جاء به الحراك الديمقراطي الذي زرع بصيص أمل في غد مشرق، حيث كانت القوانين المتعلقة بالعملية الانتخابية محفّزة ومشجّعة لمشاركة المثقف في هذه العملية.
أولا بعد إبعاد المال الفاسد من المساهمة في العملية الانتخابية بأي شكل من الأشكال، كذلك نقطة هامة وهي عدم العمل بترتيب الأسماء في القوائم، أي الانتخاب على القائمة الواحدة وإنما القانون الخاص بالانتخابات الجديد منح للناخب حرية اختيار ممثله من القائمة الواحدة دون مراعاة للترتيب في القائمة الانتخابية، ممّا يعطي نوعا من المصداقية والحرية للناخب في حرية اختيار ممثله من بين القائمة المرشّحة.
-   في رأيك ستكون الأمور فعلا مغايرة في تسيير الجماعات المحلية، إذا ما تولّاها أهل الثقافة والجامعيّين؟
 طبعا لمشاركة الفئة النيرة المثقفة وأصحاب المستويات الجامعية المتخصصة أهمية في تحسين دور المجالس والجماعات المحلية، وهو ما ينعكس إيجابا على دور الخدمة العمومية واستيقاظ الساكنة، سواء تعلق الأمر بالتسيير ومواجهة الأزمات ومخاطبة المواطن واستقباله وتحسين المرفق العام، وتحقيق الرفاهية المنتظرة مع تواجد الطبقة المثقفة في هذه المجالس..
- لا يكون التغيير سوى بالتواجد ضمن المجال، فالسياسة وفنونها وتقاليدها وأغوارها أين المواقف من كل هذا؟
 بحكم التجربة هذا غير كاف، فالنيات وحدها لا تغير شيئا في المشهد السياسي والاجتماعي، وعلاقة المسؤول بالمواطن إذا لم تتغير السياسات العامة للبلاد، ومنح فرصة أكبر للامركزية في تسيير الشأن العام المحلي ومنح المبادرة للمجالس المحلية، وعدم تقييدها بقوانين وأوامر تعيق تحرك المنتخب وممثل الشعب في القرى والأحياء والتجمعات السكانية ومن ثم الالتزام بما وعد به.
-   هل ستتغيّر نظرة الناخب للعلاقة مع الإدارة والمجالس ؟
 أكيد حينها ستتغيّر نظرة الناخب للعلاقة بينه وبين الإدارة والمجالس المحلية المنتخبة، عندما توضع كل القوانين وأدوات التسيير في يد المنتخب المحلي وتوفير مصادر التمويل للمشاريع، وتبسيط الإجراءات والحد من تدخل الوصاية في عمل الجماعات المحلية.
-  دخول المثقّفين تحت لواء الأحزاب، هل هو محاولة من الأخيرة لإعادة ثقة المواطن فيها من خلالهم، أو إنّ النخبة هي الورقة الرابحة الجديدة بالنسبة للتشكيلات السياسية؟
 إنّ انتماء المثقف للأحزاب ليس عيبا ولا هي جريمة، وإنما هي كما سبق وأن ذكرت قناعات تتعلق بأمل كل مثقف وفنان ونظرته لمسألة الانتماء للأحزاب والمنظمات السياسية من عدمها، وإنما هي تحسب من جهة مدى قناعة المثقف بخطوته تلك، ومدى نجاعتها في تحقيق على أرض الواقع لأفكاره، ومدى تأثير ذلك الانتماء علي حريته وحرية قلمه ورأيه وريشته وصوته وكلماته.
ولنا في شخصية الروائي الطاهر وطار وعبد الحميد بن هدوقة اللذين نشطا أثناء الثورة التحريرية ضمن المنظمات الطلابية والحركات السياسية الوطنية كحزب جبهة التحرير، حيث انخرطوا في العمل السياسي دون أن يؤثر ذلك على قناعاتهم وإبداعهم واستقلالية آرائهم، وحتى بعد الاستقلال وبعد الانفتاح السياسي سنة 1988، وإقرار التعددية الحزبية لاحظنا كثيرا من المثقفين ليس فقط انخرطوا في الأحزاب، وإنما أنشأوا أحزاب ناضلوا من خلالها.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024