رشيدة براهيمـي وكمال بوراس في ندوة بقصر الثقافة

الأكاديميـات العالميـة تقتـدي بالتنظيـــم العسكـري للثـورة التحريريــة

أمينة جابالله

شكّلت ندوة «التنظيم العسكري للثورة التحريرية» المندرجة ضمن البرنامج المتواصل لمنتديات قصور الثقافة، المخلدة للذكرى الـ67 لاندلاع الثورة التحريرية الكبرى، محور لقاء نشّطه كل من الدكتورة والإعلامية رشيدة براهيمي والدكتور كمال بوراس، سلطا الضوء خلالها على أهم المحطات الشاهدة على التنظيم العسكري للثورة المجيدة، التي تجسّدت في نداء جيش التحرير الوطني، وذلك باستعراض المنطقة الرابعة كنموذج للنقاش.


قدمت أستاذة التاريخ المعاصر لكلية الإعلام والاتصال جامعة الجزائر (03) رشيدة براهيمي في مداخلتها الهيكل التنظيمي الذي بنت عليه الثورة أهدافها، كما تناولت بإسهاب أدوار حساسة، كلف بأدائها الشعب وعناصر جيش التحرير الوطني على حد سواء، أما مداخلة الباحث في التاريخ الجزائري العسكري عبر العصور الدكتور كمال بوراس، فقد أشارت بإلمام كامل للتنظيم العسكري، الذي أصبح الآن مرجعا يدرس من أبرز التنظيمات العسكرية عبر الأكاديميات العسكرية في العالم.

 مبــادئ التنظيـم العسكـري لجيـش التحريــــر

وفي ذات السياق، استنبطت رشيدة براهيمي بعض المبادئ التي جاء بها التنظيم العسكري لجيش التحرير الوطني، حيث قالت في هذا الصدد «قبل ذلك تجدر الإشارة أنه كان لابد أن تنطلق ثورة نوفمبر المجيدة بكل ما هو متوفر مع قلة الإمكانيات، مقارنة بما تملكه السلطة الاستعمارية من عدد وعْدَّة، ومن تجهيزات وأسلحة متطوّرة جدا، في حين الجزائريون كانوا لا يملكون إلا ما ورثوه وغنموه من الحرب العالميه الثانية من أسلحة بسيطة جدا مهترئه، تمثلت في بنادق الصيد وبعض الأسلحة التي أكل عليها الدهر وشرب».
كما نوّهت المتحدثة في مداخلتها على مدى تحمل أصحاب الأرض لكل أساليب الطغيان، رغم افتقارهم إلى العتاد الحربي المكافئ، وفي هذا الشأن قالت «كان العدد قليل وكانت العدة بسيطة، لم تكن أبدا في مستوى ما يملكه الاستعمار الفرنسي من عتاد حربي وجيوش ومؤونة، إلا أن هؤلاء الجزائريون آمنوا بأن الله سينصرهم، ولو كانوا فئه قليلة»، وأضافت بأن الجزائريون كما هو وارد في التاريخ صبروا على الاستعمار الفرنسي الذي كان يزداد يوما بعد يوم طغيانا وجبروتا وتقتيلا وتنكيلا وممارسة لأبشع وأفضع أنواع التعذيب التي تدخل في إطار الجرائم الإنسانية.. وعليه كان لابد من الثورة التي كانت تحتاج إلى تنظم عسكري، على تقوية وتنمية جيش التحرير الوطني تدريجيا، وذلك في شكله ونوعه وتركيبه أساليب الاستخدام ليتناسب ومتطلبات تحرير الجزائر .

الأبعاد العسكرية الثلاثة

وتحدثت الدكتورة براهيمي عن طبيعة التنظيم العسكري الواجب إتباعه في البيان العسكري المعروف بنداء جيش التحرير، الذي تمّ توزيعه بالتزامن مع بيان أول نوفمبر، وتمت قراءتهما على مسامع قادة وجنود جيش التحرير الوطني مع بداية الثورة التحريرية في نوفمبر1954، وأضافت المتحدثة بأن اختيار أول نوفمبر لم يأت اعتباطيا أو عشوائيا، إنما يدل على حكمة وذكاء القادة الثوريين، على اعتبار أن هذه الفترة هي بداية فصل وبداية العطل عند المدارس الفرنسية، وبالتالي لابد من الانطلاق في الثورة، وكذلك لأن بداية فصل الشتاء تُمكن الجنود الجزائريين من التحصُّن بالجبال لفترة تمتد إلى غاية بداية الربيع، حيث لا يستطيع الاستعمار الفرنسي الذي يجهل التضاريس المتمثلة في جبال منطقة الأوراس، الوصول إليها وهي فرصة تسمح لجيش التحرير الوطني من تنظيم أموره أكثر.
كما نوّهت الدكتورة رشيدة براهيمي بالأبعاد العسكرية الثلاثة التي جاءت في نداء جيش التحرير، حيث شكّل فيها الشعب الجزائري تواجدا مباشرا للكفاح في سبيل التحرّر من أغلال العبودية والقهر، واسترجاع حقوقه المسلوبة، إلى جانب  تقوية روح التضامن والتضحية بين قوات الجيش والشعب، مطالبة هذا الأخير بالالتزام والهدوء والتنظيم والعمل على مساعدة أفراد جيش التحرير الوطني بجميع الوسائل.

توحيد النظام العسكري

بدوره تطرّق الدكتور كمال بوراس إلى التنظيم العسكري لجيش التحرير الوطني أثناء الثورة التحريرية المباركة، وذلك من خلال عنصرين أساسيين أولهما تطوّر التنظيم العسكري بعد مؤتمر الصومام، والثاني التنظيم العسكري من خلال نص شهادات بعض التقارير، حيث أرجع المتحدث تجسيد التنظيم العسكري على أرض الواقع طبقا لمقررات الصومام، ومن خلال توحيد النظام العسكري وتقسيم هيكلى أو وظيفي، وتجسد ذلك حسب كمال بوراس من خلال تحديد المسافة الجغرافية التي ينشط بها جيش كل ولاية، التي تضمّ من5 إلى 6 مناطق، والمناطق تنقسم إلى نواحي، والنواحي إلى قسمات، والقسمات إلى دواوير، والغرض من هذا التقسيم ـ يقول ـ هو التحكّم الجيد في جميع نشاطات وتحرّك جيش التحرير الوطني حتى تسهل عملية التأقلم مع المنطقة، ومعرفة السكان وتوفير نوع من التعاون، مضيفا أيضا بأنه تمّ تقسيم عناصر جيش التحرير الوطني وفق الترتيب التالي: الجندي، المسبلو الفدائي.
أما على صعيد الرتب العسكرية فصنّفت إلى كل من مساعد وهو مسؤول القسم، المرشح، الملازم، الملازم الأول، والنقيب ضابط ثلاني، ومقدم ساغ أول والعقيد.
كما استشهد الدكتور بتقارير وشهادات للعدو، أبانت عن  التحديات العسكرية التي فُرضت على الثورة التحريرية بما فيها أهمية التعبئة الشعبية، إلى جانب الدخول في عملية التخريب الكبرى، بغية خوض حرب الأعصاب على اعتبار أن أفضل سلاح للحطّ من معنويات العدو هو الحرب النفسية التي دفعت فشل الاستعمار الفرنسي في التأقلم مع حرب الأعصاب، إلى استقدام الفرقة المظلية العاشرة، التي كانت تنشط في قناة السويس والتي قام بقيادتها الجنرال ماسو، وتتكون من 4600 جندي مظلي، مؤكدا بأنه أُضيف إليها 1500 شرطي، وأعطيت لها صلاحيات واسعة، حيث تفاجأت هذه القيادة من طبيعة التنظيم العسكري للثورة، وخاصة لفدائيي جيش التحرير الوطني في العاصمة.
 الهند الصينية والجزائر نموذج
واختتم المتحدث مداخلته بذكر شهادات عديدة من بينها تقرير الكولونيل ترينك وهو أحد ضباط أركان جيش ماسو، إلى جانب شهادة الأمريكيين أنفسهم، حيث قال الدكتور كمال بوراس «هناك كتاب أصدره أحد الضباط الأمريكيين هو الضابط وود مونسى في كتاب الحروب الثورية.. الهند الصينية والجزائر كنموذج، اهتموا بطبيعة التنظيم العسكري لمعرفة أسراره، وهذا الكتاب يُدرَّس لحدّ الآن في الأكاديمية العسكرية بدويس بونت نيونورك، بحيث قدر هذا الضابط قوات جيش التحرير في أقصى حدودها بحوالي 4 آلاف جندي نظامي موحد، ومن 55 إلى 10 ألف جندي غير نظامي، كما تطرّق الكتاب أيضا إلى تحديد الأنظمة الداخلية لنظام جيش التحرير، إضافة إلى ما يحتويه من بنود تتعلّق بالعقوبات التي تصل إلى الموت منها الهروب، التعامل مع العدو، الإدلاء بأسرار عسكرية والخيانة العظمى».
للإشارة تنظم الندوة الرابعة والأخيرة من ندوات قصور الثقافة يوم 23 نوفمبر الجاري، حول «التاريخ والهوية الوطنية» يقدمها كل من الأساتذة جمال يحياوي، تونسي عبد الرحمان وعبد الله عثامنية، وذلك ابتداء من الساعة  الثانية زوالا.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024